تأمل في عدد البلطجية الذين ينغصون علينا حياتنا.. في العمل، والمدرسة، والشارع، وبعض الدوائر، والشركات، ولكل مرحلة عمرية تجدهم بصحة وعافية ينتظرون المشاكل ويفرضون الهيامة، بل وبعض الأحيان يختلقون المتاعب للجميع.. المؤسف أنها ظاهرة كونية فالقبضايات، أو الفتوات، أو الزعران، موجودون في كل زمان ومكان.. بل لو بحثت في الموضوع، فستجد أن وجودهم لا يقتصر على عالم الإنسان فحسب، لأن دنيا المخلوقات الواسعة مليئة بهم.. ولو فكرت في الحونشي الأول على كوكبنا، فقد يفاجئك المرشح.. وأنا شخصيا سأرشح البرغوث وإليكم حيثيات اختياري: في الطيران تبدأ بالجناح أولا، دائما الجناح.. وبالتحديد تحميل الجناح، وعلاقته بأداء الطائرة أو الطائر، فلو نظرت إلى البوينج 747 الجامبو مثلا فستجد أن مساحة جناحيها هي حوالي 530 مترا مربعا وأقصى وزن لتلك الطائرة هو حوالي 396 ألف كيلوجرام.. يعني كل متر مربع من الجناح "يرفع" حوالي 747 كيلوجراما.. قارنها بالإيرباص 380 العملاقة الجديدة وستجد أن مساحة جناحيها هي 845 مترا ووزنها حوالى 570 ألف كيلوجرام، وبالتالي فكل متر "يرفع" 674 كيلوجراما.. ووزن الحمام الجميل في مكة المكرمة والمدينة المنورة هو حوالي 280 جراما ومساحة جناحيه هي حوالى سبعمائة سنتيمتر مربع، وبالتالي فكل متر مربع يرفع 4 كيلوجرامات تقريبا.. وهذا المؤشر للرفع هو من أساسيات أداء الطيران سواء كان لطائرة نقل أو مقاتلة أو حمامة أو ناموسة.. وأما الحونشي فله معايير أخرى فلا ينطبق عليه هذا المعيار الهندسي أصلا.. وذلك لأن ليست لديه أجنحه.. ولكن لديه ساقان عملاقتان نسبة إلى حجم باقي جسمه.. وتصميمه العام الشبيه بالرقم 9 يحتوى على أحد أسرار عجائب تكوينه.. لديه القدرة ليقفز قفزات لا تضاهيها حركة أي مخلوقات أخرى على كوكبنا.. ولكي تتخيل قدرته على القفز فتأمل المثال التالي: لو كان بحجمنا ـ لا قدر الله ـ ولو كانت لديه مثلا معاملة يريد إنهاءها في مقر أمانة محافظة جدة، ولكنه يريد أيضا أن يسدد بعض الرسوم في الفرع الرئيس للبنك الأهلي في وسط جدة، فسيكون بإمكانه الوصول من أعلى مقر الأمانة إلى أعلى مبنى البنك في بضع قفزات.. لعب عيال بالنسبة له.. ويستطيع العودة إلى مبنى الأمانة، ثم يعود إلى البنك عشرات المرات بدون عناء.. والسر لا يقتصر على حجم ساقيه فحسب، ولكن هناك أيضا مادة بروتينية من أغرب المواد التي أنعم الله عليها بالمخلوقات وتدعى "ريزيلين" على وزن "مسكين".. وتتميز بخاصتي الانضغاط والارتدادية، فتجدها مضغوضة ضغطا هائلا بين طبقات مصفحة في جسم هذا القبضاي مما يوفر له أداء الطيران الأسطوري المذكور أعلاه.. وهناك المزيد.. ففي عالم الطيران تتحمل أجسام الطائرات المدنية مثل البوينج والإيرباص أحمالا هندسية إنشائية تعادل أقل من ثلاثة أمثال قوة الجاذبية.. حتى المقاتلات الحديثة مثل "الإف 15" الجبارة لا تستطيع تحمل أكثر من حوالى سبعة أمثال قوة الجاذبية، وبالنسبة للحونشي فهذا "كلام فاضي" لأن لديه القدرة على تحمل حوالى مائة وأربعين مثل قوة الجاذبية.. تسارع سيارات "البورشه 911 تيربو" أو "الفيراري تيستاروزا" نسبة إلى البرغوث؟ كمن يقارن حركة السلحفاة إلى حركة السيارات على طريق الملك في جدة في الصباح.. وهيكله عبارة عن مدرعة صغيرة يصعب التأثير عليها، فهي قوية ومقوسة هندسيا بطريقة تجعله قبضاي بمعنى الكلمة.. والهرش الرهيب الذي يحاول كل من يبتلي به لا يؤثر في البرغوث، وكأنه جالس يقول "بلا لعب عيال، وبلا هم!"
ولا ننسى أيضا أن الحونشي يسيء إلى المقربين إليه، ولو بحثت في تزاوج البراغيث ستجد أن سلوكيات الذكور مقززة حتى بالنسبة لمقاييس الحشرات المنحطة، وقد حاولت أن ألطف الموضوع وأكتبه بطريقة موضوعية، ولكنى وجدت أن التفاصيل بشعة وعنيفة.. تعذيب وعنف، واستعباد.. ولا أريد الدخول فيها على صفحات هذه الجريدة المحترمة، ولكن يكفي القول أن كلمة "الضرحرح" تنطبق هنا على ما يفعله ذكور البراغيث بإناثها الغلبانات.. وللعلم فغذاؤه المفضل هو الدم.. وكأن في طلعة شباب البراغيث المفضلة يقولون "يلا شباب نروح نتسلى على شوية بشر كوجبة سريعة" وفى الواقع فبالرغم من صغر حجمه، فقد تسبب في قتل ربع عدد سكان أوروبا في القرنين الخامس والثامن عشر في أكبر وباء في تاريخ البشرية وهو الطاعون.. وفى إبادة عشرات الملايين في الصين وشرق آسيا في القرن التاسع عشر، هذا بالنسبة لترشيح الكائن الأول لهذا المسمى، ولكن هل ممكن أن تكون هناك دول بأكملها ينطبق عليها مبدأ"حونشية"؟ والإجابة هي طبعا، فانظر في إسرائيل فهي تبلور المفهوم بدقة، والمشكلة أنها كأي "قبضاي" فكلما سكت له الناس، تمادى أكثر في تصرفاته.
* أمنيــتان :
مردود التصرفات الحونشية عال جدا وإلا لما مارسته ملايين الكائنات الصغيرة والكبيرة عبر التاريخ، واليوم.. وللأسف فخلال قراءتك لهذه السطور.. يتعرض مجموعات من الأبرياء لمضايقات من تلك الفئة.. أتمنى أن يعرف كل من يمارس هذه السلوكيات المقززة أن مثله الأعلى هو البرغوث.. وأتمنى أيضا أن ندرك أن التصرفات الحونشية حولنا في كل مكان وخصوصا في المجال البيئي حيث يلوثها البعض بدون حساب على حساب الأجيال القادمة.
والله من وراء القصد.
أخبار ذات صلة