كمساهمة متواضعة في هذا الشهر، شهر الخير والنور، شهر مولد سيد البشر صلى الله عليه وسلم، اخترنا ما كتبه الشيخ عبدالحليم محمود -رحمه الله- في كتابه: الرسول صلى الله عليه وسلم، شرحاً وتعليقاً على الآية الكريمة المذكورة، فهي إذاً مساهمة ليس لنا فيها إلا العرض مع التلخيص. ومن الله القبول، وقد اخترنا ذلك لما لحق بالناس من فرقة بين البشرية، وبين «يوحى إليّ» فكانت معاملة، وكانت نظرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بل وتعاطياً مع الآية الكريمة نفسها.
كتب الشيخ في كتابه المذكور: «إنه صلوات الله وسلامه عليه «بشر» وما يجول في خلد مسلم قط أن يخرجه عن البشرية، وكونه صلوات الله وسلامه عليه «بشر يوحى إليه» وما يتأتى قط أنه يوحي الله إلى بشر إلا إذا أصبح وكأنه قطعة من النور: صفاء نفس، وطهارة قلب، وتزكية روح».
فمنتهى القول فيه أنه بشر
وأنه خير خلق الله كلهم
هذا وبعض الناس حينما يقرأ القرآن الكريم فتمر عليه الآية الكريمة (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ) يقف عند كلمة بشر فيحاول التركيز عليها، وتوجيه الانتباه كله إليها، وتحويل الأنظار كلها نحوها، فيتحدث عن خصائص البشرية العادية ويبرزها، ويندفع في هذا الاتجاه المنحرف اندفاعاً لا يتناسب قط مع قوله تعالى (يوحى إليّ) بل إنه في اندفاعاته الهوجاء ينسى (يوحى إليّ) ويهملها.
من أجل ذلك فإنه «ليس بنادر في العصر الحاضر أن يجرؤ بعض الناس فيتحدث عن الرسول صلوات الله وسلامه عليه وعن خطئه -معاذ الله- في الرأي وعن إصابته فيه.. وينسى في كل ذلك (يوحى إليّ) وينسى (لست كهيئتكم) وينسى (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً).
وينسى أن بعض المسائل قد تكون لها حلول مختلفة، كلها صحيحة: بعضها رفيق رحيم، وبعضها عادل حاسم».
إن الله سبحانه وتعالى «لم يلغ اتجاهاً عاماً سار فيه الرسول، ولم ينقض قضية كلية أقرّها، ولم ينف مبدأ أثبته رسوله، فما كان صلوات الله وسلامه عليه يسير إلا على هدى من ربه... وقد شهد الله له بذلك (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله..). وما فعل الله في كل ما تمسك به المنحرفون.. إلا بيان رحمة الرسول صلوات الله وسلامه عليه، ورأفته.. والبون شاسع بين هذه الوجهة الربانية وبين التحدث عن خطأ وصواب وأوضاع بشرية يُركز عليها ولا يُلتفت لسواها».
ولنضرب لذلك مثلاً: إن الذين ديدنهم الجدل يتحدثون كثيراً عن قوله (عفا الله عنك لِمَ أذنت لهم) ويقذفون مباشرة بقولهم: إن العفو لا يكون إلا عن خطأ. ولهؤلاء نقول: إن الأساليب العربية فيها من أمثال هذا الكثير، ومنها قولهم مثلاً: غفر الله لك، لم تشق على نفسك كل هذه المشقة؟ عفا الله عنك لم تفني نفسك في سبيل هؤلاء؟ وكأن القائل يقول: رضي الله عنك، لم ترهق نفسك كل هذا الإرهاق. إن الآية القرآنية من هذا الوادي.
إن الإنسان يميل إلى التركيز على (بشر) أو على (يوحى إليّ) حسب قوة شعوره الديني وضعفه، فالذي لا إيمان له لا يرى إلا البشرية، ويزداد التركيز على (يوحى إليّ) كلما ازداد الإيمان، صلوات ربي وسلامه عليك يا سيدي يا رسول الله.
«هناك إذاً طرفان يمثلان فريقين من الناس: طرف (بشراً) أو «قل إنما أنا بشر مثلكم» وطرف «يوحى إليّ» أو (رسولاً) وبين الطرفين يتأرجح عدد لا يُحصى من المسلمين نزولاً وارتفاعاً، انخفاضاً وسمواً».
«ولعلك تتساءل الآن عن هذا الذي لا يرى- أو يكاد لا يرى- إلا (يوحى إليّ) ماذا يرى وكيف يرى وبعبارة أخرى «ماهي النظرة التي تنأى بنا عن يتيم أبي طالب (التي كان أبوجهل يرى النبي على أساسها) لتقربنا من (الأسوة)، كيف ينبغي أن تكون نظرة المؤمن لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه؟».
من الميسور أن نورد صورتين إحداهما جاهلية والأخرى إسلامية، والصورتان لسيدنا عمر رضي الله عنه، أما الصورة الأولى فإنها (يتيم أبي طالب) كان سيدنا عمر يراها قبل أن يهديه الله للإسلام وأراد سيدنا عمر أن يقتل (يتيم أبي طالب) حتى لا تتفرق كلمة القرشيين بسببه، ولما هداه الله للإسلام استجابة لدعاء الرسول صلى الله عليه وسلم، لازم الرسول صلوات ربي وسلامه عليه فنال من بركاته ومن خيره ما هيأه لأن يكون الخليفة الثاني.. وأن يعز الله الإسلام به في حياة الرسول وبعد وفاته».
إن سيدنا عمر.. يرسم لنا صورة إسلامية لسيده وحبيبه ونبيه ورسوله صلوات الله عليه، بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم سُمع سيدنا عمر يبكي ويقول: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، لقد كان جذع تخطب الناس عليه فلما كثر الناس اتخذت منبراً لتُسمعهم، فحنّ الجذع لفراقك حتى جعلت يدك عليه فسكن، فأمتك كانت أولى بالحنين إليك لما فارقتها». أ.هـ.
حقا يا سيدي يا رسول الله، إن أمتك أولى بالحنين إليك.