مع بدايتي بالقراءة وتعمق محبتي للكتاب كنت أدل أو أنبه من أعتقد بميله للقراءة إلى الكتاب المعين، سواء كان قصة أو غيرها من الكتب الشعبية التي بدأت كغيري بها: سيف بن ذي يزن، وعنترة بن شداد وتودد الجارية، وألف ليلة وليلة، وكليلة ودمنة، وحمزة البهلوان .. إلخ . ومع بداية الستينات الميلادية بدأت بكتب ساطع الحصري القومية وسلامة موسى بكتبه الاجتماعية، ثم بالروايات والقصص بدءاً بنجيب محفوظ والسحار وتوفيق الحكيم، وكنت أفخر بعشر روايات أعجبتني قبل 45 عاماً أذكر منها:
الأم لمكسيم جوركي، وكوخ العم توم لهربيت بيتشر، والبؤساء لفيكتور هيجو، وعودة الروح لتوفيق الحكيم، والأمريكي القبيح، ومعذبو الأرض لفرنز فانون وأولاد حارتنا لنجيب محفوظ، التي كنا نشتريها من أرصفة شارع الوزير بالرياض رغم منعها من دخول مصر وقتها حدود عام 1386هـ .
أقول إن أغلب كتبي قد تسربت عن طريق الإعارة وضاعت فبدأت أشتري من الكتب التي تعجبني أكثر من نسخة حيث بلغت أحياناً النسخ الخمس مثل رواية (الرهينة) لزيد مطيع دماج من اليمن فقد عرضت لها مجلة العربي قبل عشرين عاماً، وقد تكرم الرقيب كعادته بتمزيق الصفحات التي عرض بها للرواية، وكنت بعد أيام في البحرين فوجدت الرواية فأخذت منها خمس نسخ وكلها أخذت طريقها للإعارة ولم يبق لي شيء منها، وعدت لأشتري الطبعة الثانية بعد سنوات لعدم عودة ما أعرته .. وهكذا لكتب أخرى..
ولكني لست وحدي فقد كنت قبل عشر سنوات مع المرحوم الأستاذ فهد العريفي بمعرض الكتاب بالقاهرة، وكان إذا أعجبه كتابا أخذ منه نسختين فسألته فأجاب بأن النسخة الأخرى لشاب يتنبأ له بمستقبل وهو يعمل مديراً لمكتب مؤسسة اليمامة الصحفية بحائل هو فهد بن محمد السلمان وحكى عنه الكثير وعلق عليه الآمال .. عرفته فيما بعد إذ صحبه العريفي في السنة التالية إلى أرض الكنانة حيث المعرض في دورته الجديدة.
كما أذكر أن الأستاذ عبد العزيز العبد الرحمن الخريف الذي يعرِّف نفسه بمدير مدرسة حريملاء المتوسطة والثانوية سابقاً يحمل معه في زياراته للمنتديات أو لزيارة الأصدقاء مجموعة من الكتب الأدبية التي تعجبه فتجده يقدم لأحدهم كتاباً في الشعر أو القصة أو الدراسة الأدبية وأحياناً يعرض على من سيهديه مجموعة من عناوين ليختار منها ما يعجبه . وقد رأيته يحمل بسيارته عدداً كبيراً من النسخ مختلفة الاتجاهات والألوان ولعدد من المؤلفين السعوديين وغيرهم .
وقد علق الصديق عبد الرحمن الشثري عليه في إحدى زياراته المعتادة أنه بحكم زواجه الثاني قد رزق بابن سماه عمر، فإذا رحب به أحدهم وناداه باسم ابنه الجديد أعطاه كتابين، أما إذا نودي باسم ابنه الأول محمد أعطاه كتاباً واحداً .
أما الطريف في الموضوع فهو صالح المنصور هذا المتواجد دائماً في النادي الأدبي بالرياض وعدداً من الصوالين الثقافية وبالذات أحدية الدكتور راشد المبارك، فتجده دائماً يحمل كيسين أو أكثر مليئة بالمقالات والكتب المصورة التي تناسب ميولـه، فتجده يعترض طريقك ويسألك هل قرأت هذا ؟ أو لديك هذا الكتاب؟ فإذا نفيت ذلك أعطاك نسخة منه أو وعدك بإحضار صورة منه في أقرب فرصة .. ورغم أنه يكنى باسم ابنه البكر عادل إلا أنه صار يوزع بطاقات تحمل اسمه وكنيته :أبو نضال، وأنه عضو في جمعية كذا .. وكذا .. وآخر ما كتب في البطاقة – الكرت- أنه وسيط خير يجمع رأسين بالحلال ووقع باسم "أبي نضال" .. فإذا سألته: أنت تتوسط للآخرين بالزواج وأنت لم تجد من يتزوجك؟
قال : إنه وضع هذا من أجل أن يجد لنفسه الزوجة الصالحة .
كثيراً ما تجده منهمكاً في الكتابة أثناء إلقاء محاضرة أو أمسية أو ندوة في النادي وغيره من الأماكن الثقافية، ويطلب المداخلة في النهاية . كثيراً ما يُتجاهل طلبه أو يتعذر بضيق الوقت فيحتد ويهاجم المسؤول عن إدارة المناسبة . ويهدد ويتوعد بالشكوى للمسؤولين . فإذا أتيحت له الفرصة تقدم إلى المنصة وبدأ بكلام قد لا يكون متناسباً مع الموضوع فيتدخل المدير بطلب الإسراع بطرح سؤاله وإعطاء فرصة لغيره فيتلجلج ويقول نسيت السؤال ... وهكذا .. استشهد بحالتين
أو ثلاث .. الأولى مداخلته في محاضرة رئيس تحرير جريدة الوطن جمال خاشقجي .. قال ضمن ما قال إنه بعث بمقال لهم ولم ينشروه وبعثه لغيرهم ومصيره الإهمال . ولم تنشره إلا جريدة الحياة، فطلب منه الشاعر محمد الهويمل مدير المنصة بتحديد سؤاله .. فقال أن راتب أحد رؤساء التحرير 250 ألف ريال بينما هناك الكثير من الفقراء والمحتاجين. وترك المكروفون بعد أن اعتذر بنسيان السؤال.
المرة الأخرى في الأمسية الشعرية التي أقامها النادي الأدبي بالرياض للشاعر قاسم حداد . وقد رأيته قبل الأمسية يقابل الشاعر ويعانقه ويرافقه إلى مكتب رئيس النادي ويعرض عليه بضاعته من مقالات وبيانات وكتب مصورة فكلما سأله :هل قرأت هذا ؟ أو لديك هذا ؟ نفى فأخذ يعطيه من كل موضوع صورة ومن بين هذه الأشياء التي تكتنز به أكياسه كتاب (ديالكتيك الطبيعة) لأنجلس، ولكنه سبق أن كتب عليه إهداء، وعندما عرف أنه ليس لدى قاسم حداد مثل هذا الكتاب شطب على الإهداء السابق وكتب عليه إهداء لقاسم .. وقد أهداني مؤخراً نسخة مصورة منه وكتب عليها إهداء، وعند تصفح الكتاب وجدت في صفحته الثانية أنه قد كتب عليه اهداء للدكتور خالد الدخيل قبل سنة من تاريخ إهدائه لي.
كما أذكر أن النادي قد أقام مناسبة ثقافية يصادف موعدها – الأحد – وهي تصادف مناسبة لدى الدكتور راشد المبارك فلم يجد ما يقوله إلا أن يهاجم النادي بسبب اختياره الوقت مدعياً أن قصد النادي إفشال أمسية المبارك .
كما أذكر أنه طلب التعليق في نهاية الأمسية (ليلة قاسم) فقال ضمن ما قال إننا فخورون بمناسبتين خلال فترة وجيزة. وعندما طلب منه الدكتور عبد الله الوشمي –مدير الأمسية- طرح سؤاله قال :إنه نسيه.
أما الدكتور عز الدين موسى الذي أدار محاضرة الدكتور راشد المبارك في خميسية الشيخ حمد الجاسر قبل شهر ونيف فقد امتنع عن اعطاء فرصة له للمداخلة مما جعله يلحق به بالباب في النهاية ليغلظ له القول ويهاجمه عند عدم إتاحة الفرصة لـه ليقول ما لديه . وهل يرضى أن يكون راتب رئيس تحرير جريدة ما 250 الف ريال . فرد عليه الدكتور موسى: (وأنا مالي)..
طبعاً منذ عدة سنوات لم أشاهده إلا ببدلة وربطة عنق، وقلما تجده بدون كيس أو أكثر يحمله .. وأخيراً انشغل بإرسال الرسائل عبر هاتفه الجوال ..
كتب عنه الصديق أحمد الدويحي قبل شهر في ملحق الجزيرة (الثقافية) ووصفه بالرجل الغرائبي ووصف منزله بملجأ لعدد من المثقفين من المملكة والكويت أثناء حرب الخليج وعن مدى علاقته بالمرحوم عبد الله نور.
بل ووجدت الشاعر سليمان الفليح قد كتب عنه في مجلة المجالس الكويتية قبل اثنتي عشرة سنة تحت عنوان (كتابة الضوء .. بروتريهات .. كافكا والمنصور) يقول :"تراه في معطفه البالي في حي (منفوحة) القديمة يبحث عن الأعشى أو يقتفي الرباب، وفي حراج ابن قاسم يبحث عن (سكراب) وحينما تزوره في الشقة التي بلا أبواب تصيح فيه يا (كافكا المنصور) .. يخرج من ثلاجة قديمة في كفه كتاب لربما يكون رأس المال أو رسائل تروتسكي أو ربما محمية العقاب .. تشرب في صحبته القهوة ولربما تتشاجران دونما أسباب !!".
أما المسرحي محمد السحيمي فقد كتب عنه في الوطن: (رفيقي واسمه صالح) قال عنه :".. ورغم أنه علم ليس في رأسه شيء، إلا أنه في كل مرة – لشدة تواضعه- يناولك كرته بطبعة جديدة ومنقحة ومزيدة ! وهو – في آخر طبعه- كاتب ومفكر وشاعر وعضو النادي الأدبي وجمعية الثقافة والفنون، والأيتام والمسنين، والعمال والمحافظين (تحت التأسيس)، وسوق الزل وبنزين 91 و .. وسيط خيري للزواج ! وعلى ظهر الكرت : يا بخت من يقرأ (الزواج والبطيخ) قبل فوات الأوان ..".
صالح المنصور.. وإهداء الكتب
31 يناير 2008 - 19:46
|
آخر تحديث 31 يناير 2008 - 19:46
تابع قناة عكاظ على الواتساب
محمد عبد الرزاق القشعمي
