بدت تطفو على السطح تقليعات شبابية لافتة تتمثل في الازياء الضيقة والأثواب المطرزة ولبس البناطيل تحت الخصر والسلاسل وماسكات الشعر .. ومن بوادر خطورة هذه التقليعات الزحف والدخول بشكل مثير داخل المدارس خصوصاً في المرحلتين المتوسطة والثانوية. وحفاظاً على الذوق العام ومظهر الطلاب صدرت توجيهات الامير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة بالانتباه لذلك والعمل على منع هذه التقليعات الدخيلة في المدارس. وفي حين تباينت آراء الطلاب حول هذه الظاهرة الدخيلة وان جنحت الغالبية الى رفضها لتوغلها في الخصوصية التي يتميز بها الزي السعودي اكد تربويون على أهمية مواجهتها والحد منها قبل ان يستفحل امرها وسط شريحة عريضة من الشباب. كما القى البعض باللائمة على العمالة الوافدة من المصممين بهدف رفع أسعار الثوب السعودي.
لم يخف الطالب نزار قاضي اعجابه بالملابس الملونة والتقليعات الجديدة بحجة الرغبة في تغيير المظهر واللون دون التشبه بالغير.
ورغم ان زميله محمد الجنيدي لم يخف اعجابه بالثياب المطرزة الا انه يرى اهمية الالتزام بالزي السعودي داخل المدرسة حفاظاً على الذوق العام اذ ان بعض الطلاب افرطوا في اشكال التطريز والالوان الصارخة التي جعلت الثوب اقرب الى الفستان.
دخيلة على المجتمع
ويعارض الشاب فيصل الجهني هذه الظاهرة انطلاقاً من الاعتزاز بالزي السعودي بل ويرى ان هذه الاثواب المطرزة والتقليعات ليست من الشيم الاصيلة والمتعارف عليها وانها تسيء للشباب الذين يقومون بارتدائها وتقلل من مكانتهم وسط المجتمع مؤيداً كافة الاجراءات للحد من هذه الظاهرة الدخيلة والغريبة على مجتمعنا.
ضعف الشخصية
ويؤيده في ذلك الطالب رائد الجهني قائلا ان هذه التقليعات مقززة وتدل على ضعف شخصية الشباب وخضوعهم وانجرارهم وراء الافكار الغريبة وعلى غياب دور الاسرة عن متابعة ابنائهم مطالباً تمسك هؤلاء الشباب بقيم ومبادئ وعادات المجتمع السعودي ليكونوا أيادي قوية في بناء الوطن.
اجراءات صارمة
ويقر مدير ادارة التوجيه والارشاد بتعليم جدة سالم الطويرقي بانتشار هذه الظاهرة في اوساط الشباب واخذت حيزاً كبيراً من تفكيرهم واهتمامهم في الاونة الاخيرة وقال انها ظواهر دخيلة على مجتمعنا المحافظ ولهذا اتخذت المدارس اجراءات صارمة ومشددة لعدم دخول الملابس المطرزة والملونة وذات السحابات مشيراً الى انه تم التعميم على المدارس لمواجهة هذه التقليعات وتوجيه الطلاب ونصحهم وارشادهم واتخاذ الاجراءات الادارية والتربوية حيال المخالف منهم وقال ان تطبيق قواعد تنظيم السلوك والمواظبة سيساعد في القضاء على هذه الظاهرة اذ تعتبر مخالفة الزي السعودي التقليدي احدى مخالفات الدرجة الاولى من درجات السلوك مشدداً على اهمية دور ولي الامر في المنزل وبقية المؤسسات الاجتماعية.
استغلال الحرية الشخصية
ويقول استاذ علم الاجتماع بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور عبدالرحمن العمري: الخطير في الامر ان يصبح تبني مثل تلك التقليعات السلبية اسلوبا لحياة الكثير من الشباب السعودي تحت دعوى الحرية الشخصية، مستغلين المساحة الواسعة من الحرية التي منحت لهم مما كان لها اكبر الاثر في اللحاق بكل ما هو جديد في هذا المجال هذا بالاضافة الى غياب التوجيه والقدوة والاهم من ذلك غياب الرقابة الاجتماعية.. ويرى أن كثيراً ممن يهتمون بالموضة ويتأثرون بالتقليعات الغريبة، التي تأتي في أحيان كثيرة كتقليد او محاكاة لبعض المشاهير سواء من الرياضيين او ممن يعملون في مجالات الفن المختلفة، يسعون دائما لتبرير سلوكياتهم وينتقدون من يستهجن ويرفض مثل تلك المشاهد، ويصفونه بعدم التحضر، وعدم مسايرته للموضة على حد تعبيرهم، حتى انه يصل بهم الحال الى انهم يرون في سلوكياتهم تحقيقاً للتميز والخصوصية والاناقة المطلوبة للفت انظار الناس اليهم، وغالبا وللاسف الشديد نجدهم يلقون دعماً لا محدود من اولياء امورهم فتجرفهم شلالات التقليد اكثر فاكثر حتى يصلوا الى مرحلة من التمرد الاجتماعي على كل تقاليد المجتمع، وقد يصل بهم الامر ايضا الى فقدانهم لهويتهم الثقافية والاجتماعية وهذا بلا شك امر بالغ الخطورة ليس على الفرد وانما على المجتمع.
يضيف د. العمري: قد لا اقف كثيراً عند بعض هذه التقليعات او تلك الاشكال من الموضة لان لدي قناعة تامة بأن مصيرها الزوال وهذه سنة من سنن الحياة الاجتماعية والمتتبع للتاريخ الاجتماعي لأي مجتمع يرى ذلك، ولكن على الرغم من ذلك فان كثيرا من التقليعات تكون ذات ابعاد اجتماعية ونفسية تلعب دورا في حياة الشباب.
وعن المسؤولية الاجتماعية في مثل تلك الحالات قال لا يمكن تحميل مسؤولية تبني مثل تلك التقليعات لجهة معينة وانما تتوزع على المجتمع بدءا من الاسرة مروراً بالمدرسة والاصدقاء وكافة الجماعات المرجعية التي يتصل بها الشاب ذكراً كان ام انثى.
وبالنظر الى القرار الاخير الصادر من وزارة التربية والتعليم بشأن محاربة مثل تلك التقليعات واشكال الموضة الغريبة على مجتمعنا المحافظ، فان ذلك لا يعني بأي حال من الاحوال القضاء على تلك السلوكيات، ولنا في ذلك شواهد كثيرة فهل توقف المدخنون عن التدخين في الدوائر الحكومية بعد صدور قرار بذلك في السابق؟ وبمعنى آخر هل تم تفعيل مثل ذلك القرار على ارض الواقع؟ وما هي العقوبات التي ترتبت على عدم الالتزام بمثل ذلك القرار؟؟
ان الدور المطلوب من المؤسسات التعليمية والتربوية والمدرسة احداها ليس فقط منع الطلاب من تبني مثل تلك التقليعات او السعي وراء كل ما هو جديد في سوق الموضة، وانما الاهم من ذلك هو نشر الفكر الواعي بين الطلاب والطالبات عن طريق اعداد البرامج التربوية المناسبة التي من شأنها التأكيد على السلوكيات الايجابية ونبذ السلوكيات السلبية، وتنفيذ تلك البرامج التوعوية بأساليب مقبولة ومحببة لدى الطلاب والطالبات، مع الاخذ في الاعتبار المرحلة العمرية التي يعيشها الطالب والطالبة وكذلك ظروف العصر التي يعيشها المجتمع.
كما ان الامر لا يتوقف عند المدرسة كإحدى مؤسسات الضبط الاجتماعي داخل المجتمع فحسب رغم اهمية الدور المناط بها، وانما يبدأ من اللبنة الاولى في قاعدة اي مجتمع من المجتمعات الانسانية وهي الاسرة التي يستحيل ان يتكون المجتمع او يحتل مركزاً مرموقاً من دونها.
كما لا نغفل الدور الكبير لوسائل الاعلام المختلفة في توعية المجتمع بكافة فئاته ومكوناته رغم ان البعض منها اصبح يمثل معول هدم للقيم الايجابية في المجتمع.
التمرد والدونية
وفي ذات الاتجاه يلقي استاذ الاعلام بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور علي بن ظافر القرني بجانب كبير من المسؤولية على وسائل الاتصال والاعلام اذ من خلالها نعرف الشباب على انماط حياتية مغايرة عن ما الفوه من ثقافتهم بغية التشبه والتميز ويعتقد ان ذلك حالة من الانهزامية الحضارية والتبعية والشعور بالدونية.
ويبدي د. القرني استغرابه من الاعلام العربي وبعض قنواته الفضائية المستنسخة من الغربية ومحاولاتها لتزيين ذلك باعتباره حداثة و«عصرنة» وقال ان هذا يحدث في ظل تصور في التواصل مع فئات الشباب عبر وسائل اعلامنا وكذلك قصور ادارة المؤسسات التربوية والتعليمية وضعف سلطة الاسرة مع غياب اي مشروع ثقافي ينتظم فيه هؤلاء الشباب لاعادة توجيههم التوجيه الصحيح المنسجم مع ثقافتنا وقيمنا الاسلامية واكد ان ثقافة الاستهلاك التي عمت بتحسن مستوى الدخل ساهمت في تفشي الكثير من الانماط السلوكية الغربية.
مشروع وطني
وطالب القرني وسائل اعلامنا بالانشغال بقضايا مجتمعاتها والعمل على اعادة انتاج القيم والثقافة الاصلية في اشكال فنية تكون قادرة على المنافسة كما يرى البدء بالتفكير في مشروع وطني كبير ينتشل الشباب من هذه الماديات والشكليات والتعلق بالقشور اذ من خلال البرنامج يمكن للشباب ان يتلقوا برامج تكوين نفسي يستشعروا من خلاله دورهم ومسؤولياتهم الاجتماعية مع توفير محفزات مالية ومعنوية.
التوافق مع الشريعة
ويعتبر استاذ نظم الحكم والقضاء بجامعة الملك عبدالعزيز الدكتور حسن بن محمد مسفر ان هذه الظاهرة غريبة على المجتمع السعودي وانها زحفت اليه من الغرب نتيجة التقليد الاعمى والفراغ الروحي وقال يجب ان تكون الزينة مثقفة مع روح الشريعة وتنفيذ احكامها فيما يتعلق باللباس وقد اولى الفقهاء امر اللباس اهمية ووضعوا له التبيان الشافي في ارتدائه.
تصاميم الوافدة
احد اشهر المصممين لهذه الازياء رفض الافصاح عن اسمه القى بالكرة في مرمى العمالة الوافدة اذ قال ان المصممين ارادوا من خلال هذه التصاميم احداث تغيير بسيط في شكل ولون الثوب السعودي ليجعل منه مظهراً عصرياً ولكن الوافدين قاموا باضافة بعض الاشكال على التصاميم بناء على رغبة الشباب مما اخل بالمظهر العام والذوق الذي كانوا يطمحون اليه.
وعن التصاميم واسعارها قال ان قيمة التصميم تختلف بحسب النوع والخيوط المستخدمة وان الاسعار تتراوح ما بين 400 - 600 ريال للثوب الواحد.
وأخيراً.. هناك من يرى ان القادم قد يكون تفصيل الثوب من لونين على قطعتين فهل ستكون الايام القادمة حبلى بذلك ام ان الخطوات والاجراءات التي تم اتخاذها في التعليم وبعض المؤسسات الاجتماعية ستكون الخط الفاصل والنقطة النهائية لوأد هذه الظاهرة والحد منها؟
المختصون يطالبون بمشروع ثقافي واجتماعي
تقليعات شبابية تخدش الذوق وتهرب من الأزياء المألوفة
16 نوفمبر 2007 - 19:36
|
آخر تحديث 16 نوفمبر 2007 - 19:36
تابع قناة عكاظ على الواتساب
عيد الحارثي (جدة)تصوير: محمد الزهراني