القبول في الجامعات قضية متجددة ظلت تؤرق آلاف الطلاب الراغبين في مواصلة تعليمهم حيث يأخذ القبول منحى مغايرا في كل عام، فبعد ان كان القبول يتحدد بالمعدل أو النسبة التي يحصل عليها الطالب او الطالبة في الثانوية العامة, اصبح القبول لا يعتمد على هذه النسبة فحسب بل يخضع لاختبارات يشرف عليها المركز الوطني للقياس والتقويم التي على ضوئها يتم اكتشاف قدرات الطالب في التحليل والتفكير والاستيعاب وهي القدرات التي يتطلبها التعليم في الجامعة على عكس الحفظ والتلقين في غيرها من مراحل التعليم الاخرى, وعليه قد لا يجد الطالب المتفوق والحاصل على أعلى المعدلات الفرصة للقبول او تحقيق رغبته في الكلية التي يريدها.. فما هي ايجابيات وسلبيات هذا المعيار في القبول بالجامعات؟ وأيهما اجدى للطالب القبول بالنسبة او القدرات أم بهما معاً؟
“عكاظ” طرحت القضية على عدد من الأكاديميين والتربويين لشرح الابعاد الجديدة لقبول الطلاب بالجامعات وفقا لاختبار القدرات, والتعرف على مدى الايجابيات او السلبيات التي ينطوي عليها هذا النظام.
الثانوية وحدها لا تكفي
بداية يشير الدكتور ( عبدالله حامد عسيري ) رئيس قسم اللغة العربية بكلية المعلمين بأبها الى أن قبول الطلاب عن طريق تحديد نسب الثانوية فقط، والذي كان معمولاً به في السابق، له سلبياته وهو ما أثبتته التجربة، حيث إن طبيعة الدراسة الجامعية تختلف اختلافاً جذرياً عن طبيعة الدراسة الثانوية في أمور كثيرة، وعليه لا يمكن الاعتماد فقط على نسبة الثانوية كمعيار للقبول، بل لا بد من اكتشاف قدرات الطالب في التحليل والتفكير وهو ما تتطلبه الدراسة الجامعية، وتهدف إليه اختبارات القبول التي يشرف عليها المركز الوطني للقياس والتقويم في التعليم العالي.
مؤكداً أن استخدام أكثر من طريقة هو الوضع الأمثل، إذ إن نتائج الثانوية العامة ليست معياراً كافياً لتحديد قدرات الطالب، بيد أن لها دلالة لا يجب أن نهملها.
اختبار إيجابي
وفي المقابل قال الدكتور أحمد مريع الاستاذ بكلية المعلمين ان القبول عن طريق اختبارات القدرات له إيجابيات من حيث التعرف على مقدرة الطالب الذهنية على التفكير اللغوي والتحليل الرياضي, ومن ثم يمكن توقع استمرار الطالب في الدراسة الجامعية، والتي تتطلب توفر مثل هذه المهارات لديه.
كما يرى أن اختبارات القبول جيدة نوعاً ما، إلا أنها غير كافية لتقييم الطالب، لأن بعض الجامعات تضع اختبارات للقبول ليست كافية لمعرفة قدرات الطالب وليست شاملة، وأحياناً التقييم يكون غير دقيق لكثرة الأعداد وضيق الوقت المتاح وغياب الحوافز مقترحا أنه بالإمكان المزج بين طريقتي تحديد النسب واختبار القبول، وهي الطريقة المثلى للقبول.
وأضاف أنه في بعض الجامعات في أوروبا، مثل الجامعة البريطانية المفتوحة، لا يشترط في الدراسة الجامعية أي شرط له علاقة حتى باستكمال الطالب للمرحلة الثانوية، العبرة بمدى رغبة الطالب في مواصلة الدراسة واستعداده الشخصي، وهذا نمط في التفكير متطور، يجب أن يخضع للتجربة قبل الأخذ به، وهذا يذكرني بموقف سئل فيه الكاتب والمفكر عباس العقاد، وهو ليس لديه إلا الشهادة الابتدائية، لماذا لا يتقدم للحصول على درجة الدكتوراه، فكانت الإجابة ومن سيعطيني إياها؟ فالعبرة ليست بمدى التحصيل الدراسي المنتظم، مع أهميته، وإنما بمدى استعداد الإنسان لمواصلة تعليمه.
اختيار الأفضل
ومن جانبه يعرب الدكتور غيثان الجريس بجامعة الملك خالد في أبها عن امله في ان تعيد الجامعات النظر في سياسة القبول التي تسير عليها خاصة ان لائحة الاختبارات الحديثة التي رصدتها وزارة المعارف تشكل عبئا على الطلاب.
ويرى الدكتور غيثان ان الخطوة التي اقدمت عليها وزارة التعليم العالي والمتمثلة في انشاء المركز الوطني للقياس والتقويم واختبارات للقبول في بعض الجامعات لقياس قدرات الطلاب المتقدمين دون ان يكون بديلا عن نظام اختبارات الشهادة الثانوية قد قضت على الكثير من المشاكل لما فيها من حيادية وموضوعية لأن هناك من الطلاب من كان يشتكي من اختبارات القبول في بعض الجامعات وشكك فيها ومن هنا فإن الاختبارات التي طبقتها وزارة التعليم العالي ساعدت في اختيار الطالب الأفضل لدخول الجامعة وليس شرطا ان الذي حقق نسبة متدنية في الثانوية العامة هو طالب سيئ إنما تحصيله العلمي لم يكن جيدا لكن هذا لا يمنع من أن يكون الطالب ذا قدرات عالية جدا فيما لو حقق درجات عالية في اختبارات القدرات والقبول في الجامعات وبذلك يكون هذا المركز قد حقق الكثير من الأمل في المساهمة في ايجاد حل لما يعانيه الطلاب وأولياء أمورهم للحصول على مقاعد في جامعات المملكة راجيا ان يتم تعميم هذه الخطوة الواعية لتشمل بقية الجامعات والكليات الجامعية وكذلك كليات البنات وبهذا تكون وزارة التعليم العالي ممثلة بمعالي وزير التعليم العالي الذي يتابع شخصيا جهود هذا المركز قد حققت ما كان يطمح له كل طالب وطالبة وساهمت مساهمة فاعلة في التخفيف من الكثير من المعاناة والضغوط النفسية التي يعاني منها كل بيت لديه ابن أو ابنه بداية كل عام دراسي جديد.
سنة تمهيدية
ويرى الدكتور منصور القحطاني عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد ان نظام المعدل المعمول به سابقا يجعل الطالب يذاكر من أجل الحصول على أعلى نسبة دون الحصول على المعلومات التي سوف يستفيد منها في المستقبل وبعد ذلك تمحى كل المعلومات من ذاكرته ولذلك يصاب الكثير من المتقدمين للقبول بالجامعات بإحباط جراء نظام اختبار القدرات وعليه يأمل الكثير من اولياء الامور ايجاد حل وسط للقبول بين النظامين (المعدل والقدرات) كأن يدرس الطالب سنة تمهيدية قبل الالتحاق بالكلية التي يرغب في الالتحاق بها.
تصحيح الوضع
وبقراءة متأنية في نظام اختبار القدرات المعمول به حاليا للقبول في الجامعات, يكتشف الدكتور صالح بن عون الغامدي عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد لماذا لا يقبل طالب حاصل على معدل 98% أو 99% في الجامعة ويشرح ذلك بقوله انه مع تقدم هذه الأفواج من الطلبة للجامعات تتجلى حقيقة مرة ألا وهي ان الحصول على معدل دراسي عال اصبح ليس بالضرورة الطريق الطبيعي للالتحاق بالجامعة المنشودة والسبب هو ان الجامعات قد جعلت اجتياز امتحان القبول الذي تفرضه هي شرطا اساسيا للانخراط في تخصصاتها وطبعا لهذه الجامعات من المبررات ما يجعلها تتجه هذا الاتجاه كما سنرى من السياق القادم, وهنا وقبل كل شيء تنكشف معضلتان.
المعضلة الاولى هي ان مدلول معدل الثانوية اصبح فقط شرطا لتأهيل الطالب لدخول امتحان القبول أو المقابلة الشخصية لجامعة ما او لتخصص ما, وفي اغلب الاحيان ، ولست مبالغا، اصبح ليس للمعدل وزن في عملية القبول , وهذا ما نسمع عنه في حالات كثيرة ابرزها ان فلانا او فلانة لم يقبلا في تخصص ما على الرغم من الحصول على معدل عال مثلا 98 أو 99, وان كان لهذا من تبرير فكما هو متداول في الاروقة الاكاديمية (وهذا ليس بمستبعد) ناتج عن تضخيم غير حقيقي لمعدل الثانوية لا يعكس التحصيل العلمي الحقيقي كما كشفت عنه نتائج امتحان القبول او المقابلة الشخصية.
والمعضلة الثانية هي ان الطالب او الطالبة وخاصة في المقابلة الشخصية يتعرضان لأسئلة غير مدروسة مما يكون لها الاثر السلبي في اتخاذ قرار رفض قبولهما.
اذاً ما هو المطلوب عمله لتصحيح هذا الوضع؟ سؤال صعب والإجابة عليه أصعب, ولكن الحل ببساطة يحتاج إلى تنظيم ورقابة واشراف, وهذا بالطبع من اختصاص كل من وزارة التربية ووزارة التعليم العالي, وكل المؤسسات التعليمية التي بعد الثانوية.
وحل المشكلة يكمن في شقين, الاول تنظيمي اداري والثاني اكاديمي. والحل اساساً يبدأ اولا بالكيفية التي يجب ان نقيس بها انجاز خريج الثانوية؟ فهل نكتفي بعلامات السنة الثالثة فقط ام نعتبر علامات السنوات الثلاث كلها؟ فلو اكتفينا بعلامات السنة الثالثة فقط، فسوف يكون هناك نوع من المخاطرة لسببين, الاول هو ان مواد السنة الثالثة لا تعكس التحصيل العلمي الذي في المرحلة الثانوية كلها وبالتالي تكون عملية التقييم او نسبة النجاح منحازة لما جرى فقط في تلك السنة, والسبب الثاني هو التضخيم في العلاقات والذي اشرت اليه سابقا وبالاخص ما يلاحظ في المدارس الاهلية وأنا بهذا لست مبالغا.
اما اذا اعتبرنا درجات السنوات الثلاث فإننا نقيس انجاز الطالب بعدل, وبهذا نتجنب بعض المشاكل السالفة الذكر, ولتحقيق هذا فانه يوصى بأن توضع كيفية مدروسة لعرض علامات السنوات الثلاث وذلك بفصلها في خانتين، الاولى تبيّن اعمال السنة او الفصل، والثانية تبيّن درجات الاختبارين النهائيين للفصلين, وبهذا يمكننا ان نكشف بسهولة اذا ما كان هناك تضخيم للعلامات والذي يحدث عادة في اعمال السنة وذلك بمقارنة العلامات من سنة إلى اخرى، اضافة إلى امكانية مقارنة درجات اعمال السنة بدرجات الامتحانات النهائية, وربما وضع معظم الثقل لعلامات الامتحان النهائي. والقضية لا تنتهي هنا ولكن المفروض ايضا هو ان يكون هناك امتحان لتحديد قدرات الطالب يأخذه كل خريجي الثانوية الراغبين في الانخراط في الدراسة الجامعية على مستوى المملكة, هذا على غرار ما يحدث في العالم مثلا في امريكا واليابان, ففي امريكا يأخذ الطالب ما يسمى بـ SAT ويكون هذا مقياسا لقدرات الطالب يُسترشد به بالإضافة إلى علامات الثانوية, واذا ما تقرر العمل بذات الشيء هنا فانه يتوجب ان تكون وزارة التعليم العالي هي المشرفة والمديرة لهذا الاختبار.
معادلة وسطى
وهكذا يتفق معظم من الأكاديميين والتربويين في هذه القضية على سلبيات امتحانات الثانوية العامة، وعدم كفاية اختبارات القدرات، حيث عدها البعض غير عادلة، وأثار آخرون جدلاً ونقاشاً حول مدى أهميتهما، حيث يرى الدكتور (علي سعد آل موسى) عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد والكاتب الصحفي المعروف.. أن الثانوية العامة، في مجتمعاتنا العربية والنامية، لا تهيئ الشاب أو الفتاة لممارسة الحياة العملية بأدوارها المختلفة بشكل كافٍ، فهي قد تعطيه المعلومة بيد أن المعلومة يجب أن تنتهي إلى تنمية الشخصية والقدرات الذاتية وممارسة الحياة، لقد بدأت خطواتنا في التطوير وأرجو أن نمضي قدماً، خاصة فيما يتعلق بالتطوير المستمر لمناهج التعليم ووسائله بهدف إعداد الشباب من ذكور وإناث لأداء أدوارهم في الحياة بما ينفع الأمة.
ويرى الدكتور (آل موسى) أنه على الرغم من الاعتماد على اختبارات القبول، إلا أنها تتسم بسلبيات، حيث لا تعكس مدى التحصيل العلمي الذي اكتسبه الطالب ما لم يتبعه امتحان آخر تحصيلي يعطي المواضيع العلمية التي تتطلبها الكليات التي يرغب الطالب في الانضمام إليها، كما أنها تعد اختباراً جديداً على الطلاب, والكثير منهم ليس لديهم المعرفة الكافية بطريقة الاختبار، مما قد يؤثر على أدائهم فيه.
ويؤكد الدكتور (آل موسى) ما قاله أكاديميون آخرون من أن الطريقة المثلى للقبول تتمثل في إيجاد معادلة تربط بين نسبة الطالب في الثانوية العامة ونتائجه في اختبارات القبول، وأن تكون مبنية على دراسة علمية تقول إن أنسب الطرق لتقييم مستوى الطالب تكون بناء على نتائجه في الثانوية ودرجاته في اختبارات القبول.
الاستغناء عن الاختبارات
وتأكيداً لما ذهب إليه الموسى وآخرون، يقول الدكتور (عبدالرحمن بن محمد فصيل) مدير عام التربية والتعليم للبنين بمنطقة عسير إن هناك تطورات سريعة في عملية تقييم الطلاب في مراحل الدراسة المختلفة، كبديل للامتحانات التقليدية، ونأخذ مثالاً على ذلك في الشهادة الثانوية، حيث استغنت كثيرا من المؤسسات التعليمية في الدول المتقدمة صناعياً عن كثير من الامتحانات، في حين ركزت على تهيئة الطالب للحوار والنقاش والرجوع للمراجع وكتابة التقارير العلمية، ووجد أن هذه الطرق تجعل الطالب لا يدرس لمجرد الاستعداد للامتحان بقدر ما يدرس من أجل متعة التحصيل العلمي، وتنمية قدراته العلمية والذهنية وبدأت المعاهد التعليمية والمدارس والكليات، في أنحاء العالم، تركز على تهيئة الطالب للبحث بنفسه عن المعلومة من مصادرها المختلفة، سواء من المكتبة أو من الإنترنت، ومن ثم يكون الحضور إلى الفصل الدراسي، ليس للاستماع إلى محاضرة أو درس، بقدر ما هو مناقشة ما توصل إليه الطلاب من خلال بحوثهم. ووجد أن هذه الطريقة أمتع وأكثر جدوى في التحصيل العلمي.