يميل الانسان بالفطرة الى سماع الاصوات الجميلة اين كان المصدر مثلا اصوات الطيور وخرير الماء في الطبيعة والصوت البشري الصادر بنغمات متوافقة مريحة غير نافرة. بينت الدراسات في نشأة الموسيقى ان الانسان من القدم تعلم وتذوق جماليات الصوت من معطيات الطبيعة وبعض اصوات الحيوانات. وعندما بدأ الانسان الاول في التمييز بين المسافات الواقعة ما بين الوحدات الصوتية النغمية اصبح مصطلح الموسيقى يحمل مفهوما جماليا.
ومن المهم هنا ان نشير الى الفرق ما بين اللغة كوحدات صوتية (phonemes) لها دلالة كـ (أ - ب) لها دلالة وهي لفظ يعني أب في اللغة. في حين ان الاصوات النغمية (موجات صوتية ترتبط ببعضها بنسب عددية بسيطة) ليس لها دلالات لغوية فأصغر وحدة لحنية مثلا مكونة من نغمتين يطلق عليها موتيف (Motive) (دو – رى) او من ثلاث نغمات (صول – لا - سي).
دعونا نرى ما هو تعريف الموسيقى مصطلحا وليس لفظا؟ يعرف مصطلح الموسيقى بأنه علم وفن. فالعلم الموسيقي مؤسس على العلوم الطبيعية المبنية على المعادلات والقواعد الرياضية وعلم الفيزياء. دراسة الوحدات الصوتية النغمية وموجاتها وذبذباتها وابعادها وايجاد العلاقات الرياضية فيما بينها ومعرفة المتوافق وغير المتوافق منها وحسابات انشاء السلالم وانتاج التراكيب النغمية المتنوعة المبنية على الموازين وو ..
اما الفن الموسيقي فهو ما يختص بالغناء وطرقه حسب الموازين الموسيقية والزمنية وعمليات الاداء والتصويت وتمارينه وأساليب العزف على الآلات الموسيقية والقوالب الايقاعية ودراسة الاجناس اللحنية والتدوين الموسيقي.
واذا امعنا النظر في الموسيقى العربية من الجانب العلمي نجد تطوره بطيء وبشكل ملفت للنظر لفترة الخمسمائة سنة الماضية في حين ان الجانب الفني تقدم وارتقى نسبيا في المائة سنة الماضية. ويبدو لي أن اسباب ذلك ترجع لقلة انضمام اصحاب التخصصات العلمية الطبيعية (الرياضيات – الفيزياء – الهندسة وغيرهم) الى الموسيقى ومن ثم اجراء الابحاث بغرض القيام بالدراسات والابحاث بهدف التطوير العلمي للموسيقى العربية. في حين كثر بروز اصحاب المواهب الصوتية الجميلة على مستوى الوطن العربي فكانت امامهم الموسيقى كيان فني برع الكثير منهم في هذا الاطار بلا شك.
خلال المائتين سنة الماضية اجرى الغرب دراسات علمية جادة وعديدة على مكونات موسيقاهم وسلالمهم واسسوا كليات علمية وتخصصات والفوا الكتب والمراجع منها علم الموسيقى – رياضيات الموسيقى – صوتيات الموسيقى وغيرها. هذا لا يعني انه لا يوجد في العالم العربي كليات موسيقية لكن العلماء والباحثين والمؤلفات في علم الموسيقى العربية قليل.
عندما يستقى الانسان الاسس العلمية لأي تخصص ثم يمزج معها موهبته يستطيع بعدها التحليق الى مناطق التطوير والاتيان بالجديد الملفت تمهيدا الى طريق الابداع. لن يتأتى الابداع المؤصل و المقدر في غياب العلم.
ومحاولة مني في المشاركة ساتطرق في عدد من المقالات الاسبوعية الى الموسيقى من الجانب العلمي الميكانيكي والفيزائي (Mechanics & Physics of Music) لاهمية معرفة الاسس التي يقوم عليها البناء الموسيقي العربي ومكونات السلم وابعاده والاشتقاقات المقامية وترددات الموجات الصوتية للنغمات وخواصها واطوالها وسعاتها وسرعة اصواتها ومن ثم تحليلها وتوقيعها على اوتار الة العود الحديث بمسافاتها.
ابدأ بتعريف الصوت لانه المكون الاساسي للموسيقى والتخاطب:
من ابسط تعريفات الصوت انه الاهتزازات التي تسير في الهواء وبالامكان سماعها بالاذن البشرية. واكثر دقة فالصوت هو اضطراب في الطاقة الميكانيكية (Mechanical Energy) التي تتخلل وسط ما في شكل موجات ذات ضغط تبادلي.
طاقة الموجة الصوتية الصادرة من الة موسيقية او من مطرب او متحدث تنتقل في الهواء المحيط بنا وندركها من خلال الية السمع وتعامل المخ معها. يستطيع الكائن البشري سماع اصوات في مجال تردد من 20 ذبذبة في الثانية الى 20 الف ذبذبة في الثانية (من 20 هيرتز الى 20 كيلو هرتز) مع ملاحظة ان هذا المدى السمعي يتغير مع العمر والامراض السمعية. وللموجات الصوتية سعات تحدد من خلال ضغطها. والاذن البشرية تستطيع سماع اصوات بمدى كبير من السعات واقل صوت تستطيع الاذن سماعه تقدر سعته بـ 20 مايكروباسكال (microPascal) او عند مستوى ضغط صوت (Sound Pressure Level) يساوي صفر ديسيبل ( Decibel). واذا ما تعرضت الاذن لصوت مستوى ضغطه 85 ديسيبل من مسافة قريبة ولفترة طويلة قد يلحق ضررا بالغا بالاذن في حين يحس بالالم العاجل عند 130 ديسيبل.
يقع التردد الاساسي المسيطر (Fundamental Frequency) للصوت الناتج عند اهتزاز الحبال الصوتية للانسان الذكر ما بين (80 الى 200 هيرتز) وللنساء (150 – 350 هيرتز). والاصوات المنغمة المريحة للاذن تقع في مدى (110 الى 3500 هيرتز) مع العلم ان المدى الترددي لآلة البيانو القادرة على انتاج 8 دواوين (8 octaves) مثلا يقع ما بين (16.352 الى 4186 هرتز) (الديوان 8 انغام متتالية حسب درجات السلم السباعي). والة العود ذو الخمسة اوتار المزوجة مع دوزان اغلظ الاوتار بدرجة (مى) لعمل ديوانين و خمسة نغمات من الديوان الثالث الى درجة الدو يقع التردد ما بين (164.81 الى 1046.5 هرتز ).
باحث في علم الموسيقى*
الموسيقى علم وفن
31 مايو 2007 - 22:24
|
آخر تحديث 31 مايو 2007 - 22:24
تابع قناة عكاظ على الواتساب
الدكتور/ محمد بن صالح الدربي*