-A +A
عبده خال
هل أستطيع القول إن الأمير خالد الفيصل تنبه لأخطر قضية تمس الكيان الاجتماعي؟

وبشيء من الجزم، أقول نعم عندما وجه سموه بأخذ التعهد على مشايخ القبائل والنواب والمعرفين بأن لا يتم حل النزاعات والمشكلات التي يجب أن تحكم عن طريق الشرع إلا عن طريق الجهات المختصة.


فهذا التوجيه ينير بقعة مظلمة لطالما تم تجنبها خشية من قوة العرف كمصدر تشريعي ظل يجرجر أذياله عبر التاريخ البشري، وظل يتجمع في بحيرة فاض ماؤها فتعسرت السباحة عكس أمواجها.

ومن المعلوم أن الأديان جاءت منظمة لتجمعات البشرية ومقرة بالعرف الذي يتسق مع شروطها فقبل ببعضها ورفض البعض منها.

أي أن العرف في الإسلام مقيد بما ينفع الناس والأهم من ذلك أن العرف يخضع للسلطة الواحدة وليس لعدة سلط تتنافس في قبوله أو رفضه.

وإذا كان العرف مأخوذا به في بعض البلدان كمصدر دستوري استقر في وجدان المجتمع كقاعدة ناشئة ضمنها الدستور كمرجع يصح التحاكم إليه كسابقة قضائية تم الحكم فيها وفق القانون البريطاني مثلا فقد يكون هذا في الدساتير غير المكتوبة، لكن هذا لا ينسينا أن هذا العرف ينضوي مباشرة تحت قبة السلطة الحاكمة بجميع تفرعات السلط فيها (القضائية والتنفيذية والتشريعية).

وعندما يكون العرف أعلى صوتا من السلطة يكون ضرره فادحا..

ونحن نعيش بآفتين قارضتين للمجتمع الباحث عن الحياة المدنية التي تصون الفرد والجماعة من خلال القوانين التشريعية، وهاتان الآفتان هما: التعصب المذهبي والتعصب القبلي وما لم تلتفت السلطة لهاتين الآفتين فسوف تظلان تقرضان النسيج الاجتماعي حتى لا يعود هناك ترابط بين أجزاء الشبكة.

ونعلم جيدا أن كثيرا من العادات قيدت المجتمع وحبست حركته بالرضوخ طواعية أو كرها لما يقال أنه (سلوم قبايل) فتأخر المجتمع وتم اختطافه بتلك العادات... ويأتي خطر القبيلة عندما يكون عرفها وعادتها في الشؤون المتعلقة بهيبة الدولة كقوانين وتشريعات ملزمة لجميع مواطنيها بحيث لا يتمايز فرد عن فرد وليس مجزئة بين أحكامها وأحكام القبيلة.

وعندما يأتي توجيه الأمير خالد بالوقوف على بعض الظواهر الاجتماعية التي تتمثل في اعتماد القبائل على «المعاديل» والأعراف القديمة في حل المشكلات والخلافات والمضاربات، ويعرضون من أجل ذلك مبالغ خيالية لا تتساوى مع الحدث. كما تفضل بعض القبائل تلك الأعراف على الاحتكام للشرع.

فهو يسلط الضوء على بقعة مظلمة استمر زحفها وتراكمها بما يشير إلى حتمية وقوف الدولة كالسلطة في منع سلطة موازية اسمها العادات والتقاليد على الأقل في جنبها القضائي.

فهل تتضافر الجهود في تجميد كثير من المظاهر القبلية التي تنفي وجود منظومة تشريعية وتذعن لأحكام القبيلة؟