-A +A
علي الرباعي (الباحة) Al_ARobai@
كعادة الدكتور محمد العيسى، في الحضور المبهج، والطرح المؤثر، والقول البليغ، أطل من منبر مسجد نمرة في عرفات، متسلحاً بقوة المنطق؛ ومزوداً بالأدلة الشرعية الناصعة، مقدماً خطبته بروح الداعية الحضاري، مبرزاً عبر موهبته الخطابية، ومنهجيته العلمية، ومهارته الأسلوبية، سماحة ورحابة دين الإسلام، وليُلجمَ بالقول والفعل ورباطة الجأش كل من حاول التشويش عليه في هذا اليوم، بإيراد الصلة المحكمة بين الدِّين والأخلاق، مؤكداً على أن المعيار العقلي، والثقافة الموضوعية، والبحث عن الحق، وسائل تدفع المؤمن للبعد عن الباطل والنأي بالنفس المؤمنة عن المهاترات، والارتقاء بالجوارح عن منازلة قليل عِلم ودين وأخلاق.

وأصّل العيسى بمكانته عضواً بهيئة كبار العلماء، وأميناً عاماً لرابطة العالم الإسلامي، بخطبته لمنهج الإقناع، مستعيداً ثوابت خطبة الوداع، مؤكداً على أهمية التوحيد، والتعريف بمنزلته في الكتاب والسنة، وما انفرد به القرآن الكريم من الترغيب في الدعوة إلى الله، بالحسنى، والحوار مع المخالفين بالتي هي أحسن.


ودعا العيسى الحُجاج وكل المسلمين في أي مكان إلى الاعتناء بأركان الإسلام الخمسة؛ نظراً لما لها من أثر في حياة المسلم وسلوكه، بدءً من إقامة الصلاة، وصوم رمضان، وإيتاء الزكاة، وحج البيت الحرام، لافتاً إلى سمو مبادئ الإسلام بمن يتبعها والترقي به في مراتب الكمال والأهلية للاستخلاف والرُشد في الأفعال.

ولفت وزير العدل السابق إلى أن الناس كانوا أمة واحدة، وأن التوحيد، والهدى والصلاح من الفطرة التي فطر الله الناس عليها، محذراً من مغبة التضليل وترويج الباطل مما يحول دون اتصال المجتمعات وتعاونها، واحترام المواثيق، وصيانة العهود، مشيراً إلى أهمية بناء الوجدان المسلم على النقاء والطهر، ومخاطبة الخلق بأفضل وأحسن ما يتوفر من مصطلحات (وقولوا للناس حُسنا).

وأوضح العيسى أن النبي صلى الله عليه وسلم، كان نموذجاً في السمو الأخلاقي، فزكاه ربه بقوله (وإنك لعلى خلق عظيم) وامتنانه عليه بقوله (وعلّمك مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ ۚ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيما) مستعيداً جانباً من سيرته العطرة في التعامل مع المختلفين والمخالفين بالرفق واللين وحسن المعشر والصحبة.

وأكد العيسى على أن حسن الخلق، قيمة مشتركة بين الناس كافةً، يقدرها المسلم وغير المسلم، كونها سلوك رشيد، بالقول والعمل (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن،فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميد).

وحذّر العيسى من منازلة المغرضين والمدلسين ممن يتمنون منازلة أهل الاعتدال كونها تسهم في إعلاء ذكرهم، ونجاح مشروعهم، ما يسعدهم، بل إن الكثير منهم يعول عليه، غير أن مخاطر التدليس يتم كشفها، مثلما يتم التصدي للإساءة البينة، وكل ذلك يساق بحكمة الإسلام. ونبه أن من قيم الإسلام البعد عن كل ما يؤدي إلى التنافر والبغضاء والفرقة وأن يسود تعاملاتنا التواد والتراحم، ما يوجب التمسك بالقيم وفي طليعتها، الاعتصام بحبل الله إذ يقول جل وعلا: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ) والوحدة والأخوة والتعاون تمثل السياج الآمن في حفظ كيان الأمة وتماسكه، وحسن التعامل مع الآخرين؛ ما يشهد على أن الإسلام روح جامعة، يشمل بخيره الإنسانية جمعاء، ونبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، وهو القائل: «خير الناس أنفعهم للناس»، لاسما التشريع الإسلامي بإنسانيته التي لا تزدوج معاييرها، ولا تتبدل مبادئها فأحب الخير للجميع وألف قلوبهم.وانتشر نور الإسلام، فبلغ العالمين في أرجاء المعمورة، إذ تتابع على تبليغ هذا الخير رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فأثمر هذا الهدي الرشيد أتباعاً مهديين، سلكوا جادة الإسلام، مثمناً لأهل العلم الراسخين أثرهم المبارك في الاضطلاع بمسؤولية البيان، ومن ذلك التصدي للمفاهيم الخاطئة والمغلوطة عن الإسلام.