-A +A
علي الرباعي (الباحة)Al_ARobai@
يحتل العسل مكانة أثيرة عند جميع الشعوب، كونه مذكورا في الكتب المقدسة ويتطبب به المرضى من أوجاع البطن والحروق والجروح. وأكد القرآن الكريم أن في العسل شفاء للناس، ودعا النبي عليه الصلاة والسلام إلى التداوي بالشفاءين (القرآن والعسل). ولم يكن العسل من التجارة المربحة في المملكة منذ 50 عاما، كون النحل يبني خلاياه في الجبال والأودية بحكم وفرة الأزهار ونقاء الطبيعة وعدم ملاحقة الأفراد له. ويتميز النحل البلدي بتكيفه مع الأجواء المحيطة والتضاريس، إذ يتماهى لونه مع لون التضاريس المحيطة به ويتميز بجودة عسله عن النحل المستورد. ومن المعروف أن النحل لا يغش في العسل ولا يخلط عسله الذي يجنيه من الثمار الطبيعية بعسل التغذية أو العسل المغشوش ولا يضعه في قرص العسل نفسه بل يضع العسل الصافي في مكان والعسل المغذى بالسكر في قرص آخر. وتؤكد الحوارات مع أشهر مربي النحل أن اقتناء العسل لم يصل إلى مستوى الظاهرة إلا في أزمنة الطفرة في منتصف التسعينات الهجرية، فوفرة المال أغرت بشراء العسل وضمه للمائدة الشعبية، كما يؤكد المسوق اليمني إسماعيل الريمي أن الطلب على العسل بلغ الذروة في زمن الصحوة بحكم كثرة الرقاة، مشيرا إلى أنه موّل السوق السعودية بعشرات الأطنان من عسل دوعن والكشميري، موضحا أنه لم يتجاوز سعر البيع 50 ريالا، في حين يبيعه الرقاة بـ300 ريال كونه مقريا عليه.

المملكة تنتج 2500 طن وتستورد 10 أضعافه


لا تزال سوق العسل في المملكة تطلب المزيد ولم تسجل أي اكتفاء ذاتي منذ ما يزيد على 3 عقود. ويؤكد رئيس مجلس جمعية النحالين في منطقة الباحة الدكتور أحمد الخازم أن المملكة استوردت عام 2018، 24 ألف طن، كون المنتج المحلي حسب الإحصاءات لم يتجاوز 2500 طن. ويرى أن هناك عجزا كبيرا بسبب قلة المراعي النحلية وشح الأمطار وعدم معرفة الكثير من أصحاب النحل بالمهارات التي تمكنهم من مضاعفة إنتاجهم، مؤكدا الفرق بين جامعي العسل والمربين، كون المربي ملماً بجميع المهارات في إدارة النحل والمناحل.

ويذهب الخازم إلى أن سد الحاجة المحلية تستلزم زيادة المراعي والحفاظ على الموجود منها وتطويرها، وترقية مهارات النحالين وتزويدهم بالمعلومات النظرية والتطبيقات العملية والتفاعل مع مشروع التوطين الذي يهدف إلى التدريب المكثف والدورات المتخصصة من خلال عدد من مشاريع تحسين سلالة النحل البلدي وإنتاج الملكات، معتبرا منطقة الباحة رائدة في مجال التدريب، إذ درب معهد جمعية النحالين التعاونية الدولي أكثر من 12 ألف متدرب في السنوات الـ3 الماضية.

أطماع الغشاشين تضايق مربي النحل

تطلع عدد من مربي النحل إلى القضاء على ظاهرة باعة العسل المتجولين كونهم لا يخضعون للرقابة. وأوضح النحال سعيد مشهور آل داحش أن بعض الجنسيات العربية والآسيوية تمارس المهنة دون أي مراعاة لأخلاقها وضوابطها، مؤكدا أن العسل الذي يباع منهم ليس بالجودة نفسها التي يعتني بها المربون السعوديون. وعزا إقبال الناس على الشراء إلى رخص أسعار عسل الوافدين. واشتكى آل داحش من تمكين بعض الوافدين في أودية زهرية، في حين يجري منع السعوديين من رعي النحل بتلك الأماكن. ولم يخف أن بعض المجاميع تعرضت للتدمير والسرقة. وكشف أنه كسب ثقة العملاء كونه لا يبيع عسلا إلا من خلاياه.

الفرق بين الأصلي والمغشوش

يرى مربي النحل أحمد الخزمري أنه لا يمكن التفريق بين العسل الطبيعي والمغشوش إلا بطريقتين؛ الأولى عن طريق تحليله في المختبرات، والثانية عن طريق الخبرة لدى البعض. وتحفظ على ما يشاع من اختبارات بدائية تكشف جودة العسل كحرقه أو وضعه على التراب، وعدها غير صحيحة. ولفت إلى أن تجمد العسل أو التبلور ليس دليلا على غشه كون العسل الحر يتبلور بعد سنة، خصوصا الطلح والصيف إذا ما حفظا بطريقة صحيحة أو كان فيهما كمية كبيرة من حبوب اللقاح.

جمعية نحالي الباحة

تضم جمعية النحالين في منطقة الباحة 200 نحال. ويتوقع متابعون زيادة الإقبال على العضوية في المستقبل بحكم أن الاشتراك اختياري، والرسوم بسيطة مقابل التسويق والتدريب والإرشاد وتوفير جميع الأدوات والمستلزمات، إذ إن أعضاء الجمعية يعملون بطريقة احترافية لخضوعهم للدورات والتدريب والمشاركات في المهرجانات ما طور مهاراتهم في الإنتاج والمحافظة على النحل وطرق التعبئة والتغليف. ولا يُسوق عسل أعضاء الجمعية إلا إثر خضوعه للفحص المخبري والفحص الحسي من خبراء في المهنة. وتعمل مع الجمعية لجنة من الأمانة والإمارة والزراعة والشرطة للرقابة وضبط الغش في المحلات والأسواق والبيع على الطرقات.

حشرة مزاجية.. لا بد دون الشهد من إبر النحل

أوضح مربي النحل أحمد الزهراني أن لتربية النحل صعوبات كبيرة منها فقدانه بالرحيل أو المرض أو هلاكه بالحرارة أو الأمطار، إضافة لرعايته ومتابعته يوميا، مشيرا إلى أن النحل حشرة مزاجية تتوحش في بعض الأوقات وتلسع وتهدأ في وقت آخر. وكشف أن إنتاج 100 خلية لا يتجاوز 70 - 80 كغم من العسل الصافي إلا في حالات نادرة، فيما عدا عسل السدر الذي ينتج النحل كمية أكبر. وعد من التحديات انتشار النحل المستورد ومزاحمة النحل البلدي في المرعى، ما دفع وزارة الزراعة إلى تحديد أماكن للنحل البلدي وأماكن أخرى للمستورد. ويرى ضرورة التنقل في حال عدم وجود المرعى، وهو أمر يكلف المربي مبالغ لنقل النحل بالسيارات لأماكن توفر المرعى، مرددا «ولابد دون الشهد من إبر النحل».

يهزمون مرارة التقاعد بحلاوة الشهد

يؤكد التربوي السابق أحمد عطية مبارك أنه هزم مرارة التقاعد بحلاوة تربية النحل والتنقل معه والتأمل في صنع الله الذي يخرج من حشرة صغيرة هذا السائل العجيب. ولفت إلى حاجة النحل للتغذية بالسكر في الشتاء حتى يتكاثر وينتج ما يسمى بالفروق، خصوصاً في المناطق التهامية بالباحة، وتتم تغذيته مع نبتة العرفج في المناطق الصحراوية حتى يحين الموسم (موسم الطلح أو السدرة أو السمر أو الصيف)، مؤكدا أن بدء الموسم يفرض تنظيف الخلايا من عسل التغذية بقطع ما تبقى منه لتمكين النحل من البناء بأزهاره الطبيعية من الأشجار ليكون العسل خالصا من كل ما يشوبه. وعزا مبارك الغش إلى باعة يقومون بتغذية النحل مع الثمرة بالسكر بهدف زيادة الإنتاج فيقع الغش في العسل. ورغم أنهم شوهوا حرفة تربية النحل الطبيعي بالغش، إلا أنهم يجدون من يشتري منهم المغشوش بسبب السعر الرخيص، ما يوقع أرباب المناحل الطبيعية في حرج مع العملاء، مشيراً إلى أن هناك أناسا يبحثون عن جودة العسل مهما ارتفع الثمن.