هناك لحظات في العمر تتكسّر فيها الصورة الجميلة للحبّ، لا بصخبٍ ولا بضجيج، بل بصوتٍ داخلي خافت يهمس (لقد تغيّر شيءٌ ما)، اسأل روحك اسأل قلبك
قبل ما تسأل ايه غيّرني
انا غيرني عذابي في حبك
بعد ما كان أملي مصبرني
غدرك بيا أثّر فيا واتغيّرت شوية شوية..
لم يعد القلب كما كان، ولا الدرب كما كان، ولا النظرة كما كانت.
شيء ما انكسر، وشيء آخر وُلد من بين فتات الوفاء،
في قصيدة اسأل روحك للكاتب عبدالوهاب محمد، كلماتِ ليست مجرد عتاب.
بل ارتجافة كرامة، انكسار حلم، واستيقاظ روح كانت غافلة بين يدي من لا يعرف قيمتها
كنت بشوفك بعيون حبي وانت بعيد أو وانت بقربي
بعد الود اللي راعيته لك بعد الحب اللي وهبته لك
بعد العمر اللي انا عشته لك فيه ايه تاني أقدمه لك
النصّ لا يُعدّ بكاءً على خسارة، بل كشفًا لحقائق عميقة
القلب الذي احبّ بصدق، يعرف كيف يبتعد عندما يصبح البقاء إهانة.
الحبّ الذي بدأ دفئًا وأمانًا تحوّل إلى ألمٍ مقيم وعذاب دائم.
اليد الممتدة العامرة بالحياة والعطاء، لا تلقى أمامها إلا الخذلان وعدم الاهتمام
كل كذبة وكل جرح، وكل خيبة، وخذلان أضاف طبقةً جديدة إلى قسوة القلب،
وقاد خطى العلاقة إلى طريق الفناء
اتسعت الهوّة بين العطاء والجحود،
الوفاء وحده لا يبني علاقة، والصبر لا يصنع إنسانًا يستحقّ الانتظار
أنا حيّرني هواك وأنا علشان انساك
ببعد عن كل مكان رحته ولو مرة معاك
واهرب من أقرب ناس يعرفوا قصتي وياك
وبغيّر أي كلام بيجيب سيرة لذكراك
وصلتني للحال ده بيدك بعد ما كانت روحي فى ايدك
سِبتك ومفيش حد في عمري يشغل عنك قلبي وفكري
هذا التغيّر أعظم أشكال الصدق مع الذات أن نطوي حنيننا، ونشيّع ضعفنا، ونختار البعد ليس هربًا من الحبّ، بل احترامًا للقلب، ووفاءً لكرامته.
إن حب النفس لا يقل قيمة عن أي عاطفة، وإن الابتعاد أحيانًا أهم من البقاء، لأنه فعل نجاة وليس هروبًا.
فالذكريات وحدها لا تُنعش علاقة انهارت أركانها.
وهي لا تداوي، ولا تُعيد للروح ثقتها بمن كسَرها. لذلك تتعلّم الروح كيف تهرب من الأماكن التي جمعتها، وتتحاشى الكلام الذي يعيد صورة حب مضى، وتمنع من فتح جراحًا ظنّت أنّها التأمت.
هذا الانسحاب ليس دليل ضعف، بل قمّة القوّة.
القلب الذي يضطرّ للابتعاد يفعل ذلك لأنه احترق بما فيه الكفاية.
الابتعاد ليس فرارًا من الحب، بل حماية للروح، حراسة للذات، وإعلان واضح بأنّ احترام النفس لا يقلّ أهمية عن أي عاطفة.
والسؤال الذي يعلو من بين الأنقاض «لماذا حدث هذا؟»
هو حناني عليك قسّاك حتى عليا ولا رضايا كمان خلاك تلعب بيا
ولا تسامح روحي معاك غرّك بيا أنا يا حبيبي صحيح بتسامح
الا في عزة نفسي وحبي.. واما يفيض بي ما بعرف أصالح......
هنا يظهر الفارق بين المحبّ الذي يتألّم لأنه أحبّ أكثر، يعترف بوجعه وبين الآخر الذي تغيّر لأنه لم يعرف قيمة من أمامه
يخفي حقيقة عجزه عن الاحتفاظ بمن يستحقّ البقاء
وعندما يبرز سؤال النهاية (لو كنت مكاني، ماذا كنت ستفعل؟)
فهو سؤال يكشف الحقيقة من يجرّب الوجع نفسه، سيصل إلى القرار نفسه.
كل تجربة قاسية تضيف إلى صلابة الإنسان، وتجعله أكثر وعيًا بما يستحقّ الحفاظ عليه، وأكثر استعدادًا لترك ما لم يعد يستحقّ البقاء.
في نهاية المطاف، الحبّ ليس امتحانًا للجلد، ولا ساحةً للصبر.
الحبّ الحقيقي يُلملم الروح، لا يُمزّقها.
يُرمّم القلب، لا يطعن أعمق.
يمنح الإنسان جناحين، لا أثقالًا تشدّه إلى الحزن.
ولهذا، يصبح الابتعاد فعل نجاة والتغيّر شهادة حياة
وتصبح العودة إلى الذات أجمل انتصار،
لأنّها لحظة لقاء مع النفس بعد طول هجوع، واحتضان للذات بعد سنوات من العطاء الذي لم يُقدّر.
وانت يا عيني.. لو في مكاني يا عيني كنت حتعمل غير كده ايه.. اسأل روحك.