-A +A
السيد محمد علي الحسيني

في غمرة الأوضاع المتوترة في المنطقة عموما وليبيا والعراق وسورية ولبنان واليمن خصوصا، ولاسيما بعد الجرائم والمجازر المروعة التي هزت منطقة الشرق الأوسط والعالم کله، تبدو الحاجة أکثر من ضرورية من أجل أن يعمل کل مسلم مقيم في أوروبا ما بوسعه في سبيل عکس صورة إيجابية عن ديننا الحنيف بحيث تبين معدنه الطيب الأصيل.

جرائم الذبح والعنف الدموي المفرط تکفير الآخرين وبالرغم کونهم مسلمين، من الواضح أنها أضفت شيئا من الضبابية والغموض على الکثير من الجوانب الإنسانية المشرقة للدين الإسلامي، وبدأت للأسف تعطي انطباعا بأن الإسلام مبني على السيف ويسير في ظلاله، ومع إيماننا بالسيف والجهاد في سبيل الله تعالى، لکننا لا نعتقد أن الجهاد مجرد نزهة أو لعبة ما، وإنما هو قضية شرعية يجب الإفتاء به عند اکتمال معظم الشروط المتعلقة به، وأن طرح أمور وقضايا تثير الجاليات المسلمة المقيمة في أوروبا عموما وفرنسا خصوصا وتدفعها للتعصب والتطرف إنما هو أمر لا يخدم الدين الإسلامي أبدا بأي وجه من الوجوه.

قال سبحانه وتعالى في محکم کتابه المبين: «ادع إلى سبيل ربك بالحکمـة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين»، الإسلام الحقيقي والشفاف والذي تقبله القلوب والنفوس الإنسانية بشغف، هو الذي يخاطب البشرية بهذا المنطق السمح المفعم بالعاطفة الإنسانية وبفيض الرحمة الإلهية، ذلك أن وجود المسلمين في بلدان متقدمة من مختلف الأوجه ولها فهمها وأسلوبها الحياتي والحضاري الخاص بها، يحتم عليهم أن يلتزموا نهجا عقلانيا سمحا ينطلق من المباني الواقعية للإسلام والتي تدعو للمحبة والتآلف.

البشرية في هذا العصر، هو في أشد الحاجة إلى التسامح والدعوة إلى التعايش وقبول الآخر أکثر من أي وقت مضى، ومما لا شك فيه أن التقدم التکنولوجي قد ساهم کثيرا في التقريب بين الشعوب والحضارات والثقافات وأزال -شئنا أم أبينا- الکثير من الحواجز الزمانية والمکانية فيما بينها، وأن هناك الکثير من الآيات الکريمة التي تدعو إلى التسامح الإنساني من غير الآية التي أوردناها آنفا، ومنها على سبيل المثال لا الحصر قوله تعالى «ولا تجادلوا أهل الکتاب إلا بالتي هي أحسن»، وقوله تعالى «خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين»، وقوله تعالى «وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لکم»، أما ما جاء من أحاديث للرسول الأکرم صلى الله عليه وسلم بشأن الدعوة للتسامح فمنها قوله «رحم الله امرئا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى»، وقوله صلى الله عليه وسلم «السماح رباح»، کما من المهم جدا أن نتذکر الموقف الإنساني السمح لخليفة المسلمين علي بن أبي طالب رضي الله عنه عندما فتح المسلمون مکة المکرمة عندما هتف بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم «اليوم يوم المرحمة اليوم تحمى الحرمة»، وذلك على الضد من الشعار الجاهلي الذي ردده سعد بن عبادة: «اليوم يوم الملحمة اليوم تسبى الحرمة».

من الضروري أن يتمعن کل مسلم ومسلمة في الآية الکريمة «يا أيها الناس اتقوا ربکم الذي خلقکم من نفس واحدة»، وأن انحدار البشرية کلها باختلاف أديانها وأعراقها ومشاربها من نفس واحدة تدفعنا لکي نشعر بالرابط الإنساني الأخوي، وأن المسلمين إذ يقيمون في البلدان الأوروبية فإن عليهم أن يساهموا في الحفاظ على السلام والأمن والاستقرار السائد وليس أن يشارکوا بقصد أو دون قصد لا سمح الله في تعکير الأوضاع، بل من صلب واجبهم أن لا يسمحوا بأي عمل إرهابي فيما لو کانت لديهم معلومات مسبقة خصوصا حماية أماکن إقامتهم من الأعمال الإرهابية والأهم من ذلك إبداء المساعدة اللازمة للجهات المختصة کي تحول دون ارتکاب أعمال إرهابية، کما أنه من المناسب جدا التحصين الداخلي للأسرة المسلمة بإبعاد أفکار التطرف والتعصب عنها، ومتابعتهم وتحصينهم من أصدقاء السوء وإبعادهم عن المواقع والمنتديات التي تحمل طابع التطرف وتدعو للتكفير والإرهاب، ولاسيما عدم أخذ الأسرة إلى الأماکن المشبوهة التي تنشر أفکارا ضالة مضلة، کما أنه من المهم علينا أن نؤکد على إنکار ديننا لکل أنواع الإرهاب، وأنه يحرم القتل والاعتداء، وکما أسلفنا في بداية مقالنا هذا، فإن مهمتنا کمسلمين في بلاد الغرب هو تعريفهم بديننا وماهيته الإنسانية السمحة، وأن الأخلاق الطيبة في التعامل والأخذ والعطاء والتعايش بسلام، هي في مجملها مرتکزات توضح عظمة الإسلام الکامنة في سماحته ومعاداته للتطرف والتعصب.

*أمين عام المجلس الإسلامي العربي في لبنان