-A +A
محمد حميدة
كتبت في مقال سابق تحت عنوان «أردوغان.. الهارب من الأزمات الداخلية نحو أوهام لوزان 2023»، بتاريخ 12 أكتوبر الماضي عن المخطط التركي وما وراء مزاعم العملية المسماة بـ«نبع السلام» في الشمال السوري.

في المقال السابق كان الحديث عن أن ما يسمى بـ«نبع السلام» ما هي إلا عملية تمهيد لمساعي تركيا لإعادة احتلال الأراضي التي كانت تحت سلطة الدولة العثمانية قبل عام 1023، وهي المعاهدة التي يروج لها الإعلام التركي مدفوعا من حزب الجماعة هناك، بأنها تنتهي في عام 2023 بما يعطي تركيا الأحقية في احتلال الأراضي التي كانت محتلة في السابق، وهي ذات الرؤية التي ساندت تركيا جماعة الإخوان في مختلف الدول العربية من أجل تنفيذها.


التصريح الأخير للرئيس التركي بشأن أحقيته في التدخل في ليبيا باعتبارها إرث أجداده، وأن جغرافيتها جزء من الإمبراطورية العثمانية، يؤكد بشكل قاطع مساعي تركيا في سوريا وليبيا والعراق، ولعل أن مزاعم محاربة الإرهاب في الشمال السوري والأراضي العراقية لم تعد ذات مصداقية الآن، رغم قولنا في السابق بأنها مجرد مزاعم لأهداف أخرى.

الاحتلال العثماني الذي فرض على ليبيا من عام 1551 حتى عام 1912، والذي انتهى بانسحاب الدولة العثمانية بموجب اتفاقية معاهدة أوشي مع الإيطاليين في أكتوبر 1912، كان ضمن صفحات التاريخ الأسود للدولة العثمانية التي ارتكبت الجرائم بحق الليبيين وتركتهم أيضا ليواجهوا الإيطاليين وحدهم حتى إعلان استقلال برقة في 1949، وقد ارتكبت خلال تلك الفترة الكثير من الجرائم بحق الشعب الليبي.

من كل ما سبق يبدو أن مواقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان غير مدروسة بشكل جيد أو أن حساباته خاطئة، خاصة أن مثل هذه التصريحات تضعف موقف حكومة الوفاق المعترف بها دوليا في الغرب الليبي، والتي طالما حاولت نفي الدعم التركي لها أمام المجتمع الدولي، غير أن أردوغان وضعهم في مأزق أمام شريحة كبيرة من الليبيين التي كانت تقف في المنتصف «لا هي مع الشرق ولا الغرب»، كما تهاوت معها شعارات الوفاق التي تتحدث عن الدولة المدنية المستقلة، وبهذا سيتم العمل العاجل على التخلص من أنصاره في الغرب الليبي بشبه إجماع دولي.

بالعودة إلى الخريطة التي يسعى أردوغان لإعادة تشكيلها وفقا لهواه العثماني الذي يسيطر على نمطية تفكيره وإدارته للمشهد، فإنه يسعى لاستنساخ مشهد لواء الإسكندرون، ويتضح ذلك جليا من عمليات العبث بالديموغرافيا السورية منذ بداية الأزمة، ولعل ما حدث في عين العرب ومنبج من تهجير وإعادة تشكيل لمختلف مظاهر الحياة بعد تسكين من يقال عنهم في الداخل التركي إنهم من سكان مناطق «ميثاق ملي» الذي أقره «مجلس مبعوثان عثماني» وهو «شبه برلمان» العام 1920 قبل التراجع عنه في معاهدة لوزان عام 1923، وهي الإشارة ذاتها التي أشار إليها وزير الداخلية التركي سليمان صويلي أثناء تفقده أحد المخيمات السورية في تركيا في وقت سابق من هذا العام. يضاف لها أيضا مزاعم تركيا بوجود مقابر تعود لقادة أتراك «عثمانيين» في مناطق شمال سوريا، ولا يمكننا أن نغفل الخريطة التي رفعها الرئيس التركي خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة والتي ضمت مناطق في سوريا والعراق في إطار العثمنة الحاصلة في مناطق عمليات درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، والتي تقتطع ثلث مساحة سوريا في الحسكة وحلب وإدلب والرقة ومن العراق الموصل وكركوك وإقليم كردستان. يضاف لذلك مصراتة الليبية التي هي موطن لمليشيات ومرتزقة وإرهابيين أرسلتهم تركيا من سوريا والعراق للتمهيد للخطوة التالية للسيطرة على الغرب الليبي من خلال الجماعات الموالية للعقلية العثمانية الجديدة، حسب رؤيتهم التي لن تنجح.

بالنظر للجبهات التي فتحها الرئيس التركي على نفسه في آن واحد بداية من الشمال السوري وحديثه عن ليبيا، وتهديده لأوروبا بورقة اللاجئين يمكن قراءة بعض المؤشرات التي ستتطور تدريجيا، أولها أن هناك شبه إجماع على ضرورة التخلص من الرئيس التركي وحزبه في أقصى تقدير خلال الانتخابات المقبلة.

إلى جانب الإجماع أو شبه الإجماع الدولي الذي تحركه المصالح والذي قد يبقي على الرئيس التركي حال استجابته لبعض المطالب، إلا أن الدور العربي بات بحاجة إلى حضور أقوى سواء في ليبيا أو العراق أو سوريا، خاصة أن أطماع تركيا باتت لا تقل خطورة عن غيرها من الدول التي تستهدف المنطقة، وربما أن محاولة تركيا الفاشلة تجاه السعودية ستتكرر تجاه كل دول الخليج متى وجدت الفرصة لذلك، الأمر ذاته بالنسبة لمصر والسودان، وربما أن التحرك العربي الآن قد يكون في الوقت المناسب في ظل تعدد خصوم أردوغان.

* صحفي مصري وباحث بالشؤون التركية

mo_hemeda@