-A +A
منى المالكي
تقبض لحظة التحولات الكبرى في حياة الأمم على شعاع من نور يرشدها إلى طريق الخلاص، ذلك ما يعني عصر التنوير أو لحظة البعث مرة أخرى في حياة الإنسانية، فلا يمكن واللحظة تلك إلا بالتحليق عالياً بأجنحة قوية تطير بالمجتمعات إلى تلك الآفاق البعيدة عما هو سائد ونمطي ومعطل في أحيان أخرى عن تحقيق التقدم والتحديث، ويمثل الجناح الاقتصادي المحرك الفاعل لتلك اللحظات التاريخية والتحولات الكبرى، فهو الحلقة الأقوى القادرة على التغيير، فما أن يشعر الإنسان بالتقدم المنشود في الجانب الاقتصادي حتى يذهب صوب التغيير طائعاً مختاراً.

يبقى بعد ذلك شكل هذا التغيير والتعامل معه وكيفية استثماره الاستثمار الأمثل، في هذه اللحظة تظهر قوة وزخم «الثقافة» بكل تعريفاتها المتعددة وحمولاتها المتغيرة جناحاً قوياً آخر يطير معه المجتمع بعقل واع نحو ذلك المستقبل، فلا يمكن التقدم نحو المستقبل بدون التغيير الثقافي لأنظمة سائدة قد تشكل عائقا لذلك التحول، ومن هنا بدأت العلاقة الواعية بين المثقف والتغيير يظل المثقف هو الصوت الواعي من خلال ما يقدمه من فكر وإبداع بأشكاله المتعددة والمتنوعة ليمهد الطريق للتحولات الكبرى.


وكما يحدث على الجانب الاقتصادي من عمل ضخم وتوقيع اتفاقيات مع قطاعات متعددة للربط فيما بينها وتحقيق وحدة العمل المشترك والمنظومة الواحدة لتوجيه البوصلة تجاه رؤية مشتركة، أزعم أيضا بحاجة الشأن الثقافي إلى مثل هذا الدعم وإلى مثل هذه الاتفاقيات المشتركة وإلى زخم كبير من خلال قطاعات متعددة لتوحيد هذه القوة الناعمة التي تعتبر في عالمنا الآن قوة توازي القوة السياسية والاقتصادية، فنحن نعلم جيداً تأثير السينما الأمريكية في الترويج لأسطورة «سوبر مان» ووضع أمريكا بثقافتها وأطعمتها وموسيقاها (رقم واحد) في العالم، وتظهر الآن الرغبة العارمة لدى الشباب في دراسة اللغة الكورية، ونحن نعلم جيداً القوة الاقتصادية للشركات الكورية الكبرى، فمن خلال الترويج لهذه الصناعة استثمرت كوريا الترويج لثقافتها أيضاً بين الشباب، والأمثلة على ذلك كثير، وما المسلسلات التركية عنَّا ببعيد، هنا لا بد أن نبدأ في رسم إستراتيجية ثقافية تعي هذا الدور الكبير للثقافة، فهل بدأنا في وضع إستراتيجيتنا؟.

* كاتبة سعودية

monaalmaliki@