-A +A
هاشم عبده هاشم
•• ونحن نحتفل -في هذه البلاد- باليوم الوطني بكل اعتزاز، كما تفعل شعوب الأرض الأخرى ترسيخاً لمعاني الوحدة.. والاصطفاف.. والتلاحم.. وتعبيراً عن القوة.. والرغبة الصادقة نحو استشراف المستقبل الأجمل.. ليس (فقط) لهذا الوطن الغالي على قلوبنا.. وإنما لكل الأوطان المحبة للسلام في المنطقة والعالم.

•• أقول هذا لأن البلاد التي شرفها الله بوضع أقدس مقدسات الأرض بها، فهي ليست مجرد وطن لشعب.. كما أنها ليست مجرد قبلة لأمة إسلامية عريضة.. وكذلك لم تكن مهد عراقة أمة عربية مجيدة.. فحسب.. وإنما لأنها مصدر الخير لكل أمم الأرض..


•• هكذا أرادها الله.. وهكذا يجب أن تكون.. وهكذا يجب أن تمضي.. كبلد يحمل رسالة عالمية إلى كل الدنيا.. إلى كل البشر.. بكل أديانهم.. ونحلهم.. ومللهم.. وتحت راية رب هذا الكون الواحد الأحد..

رسالتنا الأولى.. نحو المعمورة

•• وهذا يعني أول ما يعني.. أن نصحح كل مسار يبعدنا عن أصل رسالتنا.. فنحن بلد النور.. والهداية.. والمحبة.. والسلام.. والوئام.. لأن ديننا.. يحمل رسالة عالمية.. ويستوعب كل صنوف البشر.. ويتعامل مع الإنسانية تعاملاً حضارياً كاملاً.. ومفتوحاً..

•• وبالتالي فإن مهمتنا الأولى في وطن هذه رسالته.. وتلك أمانته ومسؤوليته.. هي الانفتاح على العالم بكل حضاراته.. بجانبيها.. المادي.. والثقافي.. بإقامة جسور متينة معه.. وعلى كل المستويات.. جسور ثقافية.. وجسور اقتصادية.. وجسور سياسية.. وجسور إنسانية.. لا موانع ولا فواصل بينها.. بصرف النظر عن التراكمات التاريخية.. والأخطاء السياسية.. والحروب الدامية التي شهدتها الأمم في فترات مختلفة من عمر الكرة الأرضية.. وكان كثير منها تجسيداً لرؤى ضيقة.. واعتبارات نفسية.. ومصالح آنية.. ومحدودة.. فرضتها لحظات تاريخية عابرة.. شهدت معها الإنسانية حروباً مدمرة وانهيارات هائلة لحضارات عظيمة.. وأنظمة سياسية كبيرة.. وراح ضحيتها الملايين من البشر بسبب أخطاء.. وحماقات.. لا يجب أن تتكرر الآن.. وبعد تطور ذهنية الإنسان.. وبعد كل هذا الكم الهائل من التجارب المؤلمة في كثير منها.. والمشرقة في جوانب محدودة منها..

•• لذلك أقول.. وفي هذا اليوم العظيم.. لوطن اختاره الله لكي يكون مصدر الخير لكل العالم.. إن مهمتنا.. ضخمة.. وعظيمة.. وكبيرة لأنها تتجاوز حدود إسعاد الإنسان في هذا البلد.. إلى كل بلد في هذا العالم.. وإنسانه..

•• هكذا أرادنا الله.. وهكذا حق علينا أن نكون.. وبالتالي.. فإن المهمة الملقاة على أعناقنا كبيرة.. وعظيمة.. ليس فقط.. تجاه إخوتنا في الله.. وليس نحو أشقائنا في الوطن العربي.. وغير الوطن العربي.. وإنما تجاه الإنسانية جمعاء.. وعلينا أن نكون كذلك..

•• هذه الثقافة.. لا بد إذن.. أن تكون البداية والمنطلق في نظرتنا إلى المفهوم الحقيقي لليوم الوطني.. لبلد عالمي الدور.. عظيم المسؤولية..

.. وعلينا أن نكون كذلك.. كفاءةً.. وقدرةً.. ووعياً.. وتحملاً للمسؤولية.. ونهوضاً بالمهمة.. وبناءً للقدرات الذاتية الخلاقة.. وحفاظاً على الثروات.. وتخطيطاً للمستقبل.. وتحركاً على كل الأصعدة.. بحسابات دقيقة.. ومسؤولة.. وقوية.. وواثقة..

•• وتلك ولا شك مسؤولية عظيمة.. تتحملها القيادة.. كما يتحملها المواطن.. من مواقعه المختلفة.. داعيةً.. معلماً.. تاجراً.. مثقفاً.. مربيةً.. وزيراً.. حارساً.. مهندساً.. محامياً.. طبيباً.. مدنياً.. عسكرياً.. إعلامياً.. لأن المسؤولية أعظم.. وأكبر.. وأضخم من أن يتحملها طرف واحد ولا يشاركه الآخرون في القيام بدورٍ فاعلٍ.. وكبيرٍ.. وجادٍّ.. ومسؤولٍ فيها..

•• وبمعنى أوضح..

•• فإن العالم.. كل العالم.. ينظر لنا.. وينتظر منا أن نقود مسيرةً خلاقةً في الانفتاح عليه (أولاً) وفي تأكيد أننا قادرون على تحمل الدور الذي نحن مطالبون بالقيام به.. وهو دور حضاري.. وإنساني.. وأخلاقي لقيادة المسيرة نحو المستقبل الجديد بعقول مفتوحة.. تقوم على الفهم الصحيح لعقيدة السماء.. بعد فترات طويلة من حالة «التشوش» و«الانغلاق» و«التقوقع» و«العزلة» ليس فقط عن العالم وثقافاته.. وإنما البعد عن المسارات الصحيحة التي نص عليها كتاب الله الحق.. وأبانها رسول الهداية والنور محمد بن عبدالله.. وخرجنا عنها بكثرة الاجتهادات وتغليب جوانب الحذر.. وسد الذرائع.. مما أدخلنا في متاهات من الظلام.. وبذر في نفوسنا وعقولنا من الأفكار والمفاهيم.. ما جعلنا في نظر العالم «مصدر خطر».. ونحن في الحقيقة غير ذلك تماماً.. إذا نحن عدنا إلى مصادر التشريع الإسلامي الأساسية الصحيحة..

•• هذا الوضع الذي وصلنا إليه.. يهدد سلامتنا نحن أبناء هذا البلاد.. قبل غيرنا.. وهو وضع يجب تصحيحه بكثير من الحكمة.. والتمكن.. والتعقل.. بالتعاون الوثيق.. والمدروس.. بين مؤسسات التعليم.. والثقافة.. والإرشاد.. والتربية.. والإعلام من جهة.. وبين المؤسسات الأمنية.. والسياسية.. والاقتصادية.. والاجتماعية من جهة أخرى.. وبتضافر جهود الجميع مع الدولة.. تضافراً كاملاً ومسؤولاً.. حتى نجنب أنفسنا مغبة أي انفجار داخلي يُسببه التنازع.. أو التباعد في الرؤى والمفاهيم في عصر لا مجال فيه للاختلاف على الأسس والثوابت ونبذ كل ما عداها بعيداً وبعيداً جداً..

•• وعلينا أن ندرك -في هذا الصدد- أن عامل الزمن مهم للغاية.. وأن عصر التوقف والجمود وتجاهل الأوضاع المختلفة قد انتهى.. وأن العالم بكليته يتجه نحو الاندماج الثقافي المحسوب لصالح تطور الدول والمجتمعات وتكامل مصالحها على أسس قوية وعملية قواسمها الاقتصاد.. والأمن.. والسياسة..

•• وما نقوم به الآن من إجراءات.. أو خطوات.. أو ما نتخذه من قرارات تصحيحية.. يأتي في إطار الجهود المبذولة لأخذ المكانة اللائقة بهذه البلاد في موكب الحضارة الإنسانية.. سواء كانت تلك الإجراءات التصحيحية لأوضاع المرأة في بلادنا.. أو كانت لنشر ثقافة الانفتاح وتقليص الفجوة الحضارية بين بعضنا البعض، وإن كنت أتمنى أن يشارك المجتمع الدولى في الاضطلاع بمسؤولية التغيير هذه بصورة أكبر.. وأن يكون للمؤسسات العلمية والدينية والإعلامية والتربوية والثقافية دور أوسع في المرحلة القادمة حتى يكون حجم التغيير موازياً لطبيعة الخطط والبرامج والتوجهات المستقبلية المرسومة لصالح الخروج من العزلة الثقافية التي عانينا منها كثيراً.. ولا نزال نعاني منها حتى الآن.. ونواجه بسببها ضغوطاً دولية شديدة.. وحادة.. لا يجب أن تستمر.. أو تطول..

المشكلات الأمنية.. وكيف نعالجها؟

•• أما المشكلة الثانية التي اعتمدتها المملكة في أجندة العمل الجديدة التي تضطلع بها.. فهي المشكلة الأمنية التي تواجهها المنطقة ونحن جزء منها وكذلك دول العالم الأخرى.

•• وبالتأكيد.. فإن القضاء على «الفوضى» التي اجتاحت المنطقة خلال العشرين سنة الأخيرة.. بل ومنذ الثورة الإيرانية عام 1979م وحتى اليوم.. تشكل هاجساً قوياً يقض مضاجع دول وشعوب المنطقة.. بل العالم بأسره.

•• وكان الخيار أمام المملكة هو «النأي بالنفس» وتجاهل ما يحدث.. وحماية الوطن من الداخل.. أو المواجهة الشجاعة لتلك الأخطار إلى جانب تأمين الداخل وتعزيز التلاحم والترابط بين المواطن والدولة..

•• لكن المملكة فضلت الأخذ بالخيار الثاني.. والعمل على تهدئة الأوضاع واحتوائها.. وتجنب سياسة التصعيد.. وسلوك طريق العمل السياسي.. والعمل على فتح قنوات بين الخصوم وحل المشكلات.. منعاً للمزيد من الحروب والانهيارات وتخفيفاً لحدة التوتر.. وتهيئة لأسباب إقرار السلام وعودة الاستقرار إلى المنطقة.. بعد أن غفلنا كأمة عن معالجة تلك المشكلات نتيجة استغراق القضية الفلسطينية لنا طويلا دون التوصل إلى سلام بين الفرقاء حتى الآن..

•• وانطلاقا من هذا التوجه، فإن المملكة حرصت على تغليب العمل السياسي للتوفيق بين الفرقاء في كل من: سورية.. ولبنان.. واليمن.. والعراق.. والصومال.. وإريتريا.. وإثيوبيا.. وجيبوتي.. وليبيا.. وأفغانستان.. وذلك امتداداً لجهود مبكرة وسابقة لها على هذا الصعيد.. إن على المستوى العربي العربي أو الأفريقي الأفريقي.. أو على مستوى الدول الإسلامية.. وحتى غير الإسلامية أيضاً.

•• وكما نرى فإن الوضع السوري.. يسير في اتجاه التسوية السياسية المقبولة -في النهاية- من جميع الأطراف.. كما أن الوضع في لبنان يتجه نحو التهدئة.. وجمع الفرقاء.. في الوقت الذي عملت فيه المملكة ولا تزال على دعوة الأشقاء في العراق إلى تغليب جوانب التهدئة والابتعاد عن الصراعات.. الآيدلوجية.. أو الولاءات المتعددة.. ووقفت إلى جانب الشعب العراقي وعملت على احتواء أبنائه ووثقت صلتهم بأشقائهم وبأمتهم العربية.. بما قدمته وتقدمه للعراقيين من معونات.. ومن دمج لشبابه بشباب أمته العربية.. ودمجهم في هوايتهم الرياضية الموحدة.. في الوقت الذي وقفت فيه المملكة بقوة إلى جانب أشقائها المصريين وقفة حازمة لتغليب خيارهم الوطني لتظل جمهورية مصر العربية قوة شامخة في كيان هذه الأمة ومصدراً من مصادر قوتها وتماسك أبنائها.. كما عملت أيضا على تعزيز وتوثيق روابطها بالأردن الشقيق.. ووقفت معه بمواجهة الأخطار التي تهددت وتتهدد سلامته ولا تزال وسوف تستمر معه كذلك للانتصار على كل الأخطار التي تتهدد سلامته كنقطة أساسية مهمة في تأمين سلامة المنطقة.. إن من الناحية الجغرافية.. وإن من الناحية السياسية.. أو الأمنية..

وليس بعيداً عن ذلك ما يشهده السودان الشقيق من أوضاع مستقرة بفعل التعاون الوثيق بينه وبين هذه البلاد وتأمين سلامته وحمايته من المحاولات الرامية إلى التدخل في شؤونه الداخلية.. والخروج عن هويته العربية الأصيلة والعمل على ضمان دمجه في ثقافته العربية الأصيلة أيضا.

ولم تكن المملكة بعيدة عن الوضع الليبي المعقد.. لكن جهودها المخلصة تتم بهدوء وبعيدا عن الضجيج وسعيا إلى جمع الفرقاء على طاولة العمل من أجل الوفاق التام..

•• أما الوضع في اليمن.. فإنه وإن كان شديد التعقيد.. بفعل التدخل الإيراني القوي فيه.. ودعمه للحوثيين بمواجهة السلطة.. فإن المملكة وإن أُجبرت على تشكيل التحالف من أجل الوقوف إلى جانب الشرعية بمواجهة الخطر الذي يتهدد مستقبل البلاد.. وهوية الأمة اليمنية العربية الأصيلة بفعل التدخل الإيراني لاتخاذ وطنهم معبراً سهلاً إلى الجزيرة العربية والخليج في إطار سياسة إيران لتغيير هوية دول وشعوب المنطقة.. المملكة وإن وجدت نفسها مضطرة لإيقاف هذا الخطر الداهم للجميع بإقامة التحالف إلا أنها تواصل جهودها المخلصة لتغليب الحل السلمي.. للحفاظ على اليمن العربي.. الآمن.. والمستقر.. والمستقل.. بعيدا عن السطوة الإيرانية الهادفة إلى تغيير الهوية اليمنية العربية الأصيلة.. أصالة اليمنيين ودورهم في التاريخ وفي الأروقة العربية غير الملوثة.. وغير المخطوفة بعيدا عن أمنها وقوميتها العربية.. كمنبع أصيل للعرب والعروبة على مدى التاريخ الطويل.

•• وما يؤكد رغبة المملكة على التمكين للحل السياسي.. تحقيقا للاستقرار الدائم فيه.. ومع جيرانه.. هو صبرها الطويل على ما تتعرض له يوميا من هجمات الصواريخ الإيرانية البالستية على مرأى ومسمع العالم انتظارا لنجاح الضغوط الدولية لإخراج إيران من المنطقة لمنع وقوع المزيد من الحروب فيها..

•• ولولا حرص المملكة على حياة اليمنيين.. وسلامة بلادهم وعدم تعريضها للدمار.. لولا ذلك.. لتعاملت مع تلك الهجمات الصاروخية والتجاوزات المتواصلة بصورة مختلفة.. ولحسمت الموقف هناك في فترة وجيزة ولما سمحت بإطالة الأزمة أكثر مما استغرقته من وقت حتى الآن.. بسبب اكتفائها بقيادة التحالف المكلف بمساندة الشرعية ومنع توسع نفوذ أتباع إيران في اليمن والحيلولة دون بسط سلطتهم على اليمن.. وتحقيق أهداف إيران الخطيرة فيه.. ليس على اليمن نفسه فحسب.. وإنما على الجزيرة العربية.. والخليج.. والمنطقة على حد سواء..

•• وسوف لن نسمح باستمرار الأزمة طويلا إلا بالقدر الذي نعطي فيه الوقت الكافي للأمم المتحدة لمعالجته بالطرق السياسية الملائمة ولكن إلى المدى الذي يمكن احتماله.. وإلا فإن ورقة الحل النهائي ما زالت بيد المملكة ودول التحالف.. وتستطيع لعبها في الوقت المناسب.. إذا عجزت الأمم المتحدة عن التوصل مع الحوثيين إلى حل مرضٍ للجميع.

•• وهكذا فإن جهود المملكة البناءة للتوفيق بين الحلول السياسية.. وبين الأخذ في الاعتبار الحد من التوترات وحروب الاستنزاف.. لا تكاد تتوقف.. وآخر دليل على ذلك:

1- توقيع الاتفاق التاريخي بين إريتريا وإثيوبيا في جدة يوم الأحد 6 محرم 1440هـ (الموافق 16 سبتمبر 2018م).. بعد حروب دامية وقطيعة مؤلمة استمرت أكثر من (20) عاما.

2- اللقاء التاريخي الذي تم في جدة يوم الإثنين 7 محرم 1440هـ (الموافق 17 سبتمبر 2018م) بين الرئيس الجيبوتي ورئيس دولة إريتريا بعد قطيعة دامت أكثر من (10) سنوات. وكلتا المناسبتين تمتا في حضور أمين عام الأمم المتحدة (أنطونيو غوتيريس) الذي وصف جهود المملكة لتحقيق هذين الإنجازين بأنها تاريخية.. وقدم الشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز على ما بذله وحكومته من جهود عظيمة للوصول بالبلدان الثلاثة إلى ما وصلت إليه.. وقوله أيضا «أشعر الآن بأن هناك رياحا جديدة تهب على هذه المنطقة وما حدث بين إثيوبيا وإريتريا.. ثم بين إريتريا وجيبوتي يشير إلى وجود تحولات إيجابية وجذرية تبعث على الأمل الكبير». وقال أيضا: «أنا الآن أجدد مشاعر التقدير إلى كل من ساهم في وصولنا إلى هذه اللحظات التي قد تفتح آفاقا جديدة لكي يعم السلام ربوع العالم».

•• وعندما يقول أمين عام الأمم المتحدة هذا الكلام بعد أن وقف على حقيقة الجهود الكبيرة التي تبذلها المملكة لإقرار السلام والاستقرار في المنطقة والعالم، بعد عدة اجتماعات مع خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وصاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع.. فإنه يعكس قناعته بالدور الكبير والمسؤول الذي تقوم به المملكة في هذا الاتجاه بكل جدية وثبات.

•• وبكل تأكيد فإن نقاشات مطولة قد دارت بين «غوتيريس» وبين الأمير محمد.. حول مستقبل العملية السلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين في ضوء المستجدات.. وكذلك تحقيق الاستقرار وعودة السلام في كل من سورية واليمن.. وبقية أرجاء المنطقة.. وبالتالي فإن المستقبل القريب قد يشهد المزيد من الانفراجات في ضوء التحركات التي نقوم بها نحن.. بالتعاون مع الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وغيرها من دول العالم الأخرى..

•• لذلك أقول.. إن العام الجديد في عمر هذا الوطن.. سوف يشهد بإذن الله الكثير من الانفراجات في ظل هذه الجهود المخلصة.. والبناءة.. وكفانا حروبا.. ومآسي.. وأزمات..

•• وسوف يشهد العام الجديد بإذنه تعالى.. المزيد من الاتفاقيات لقضايا وأوضاع كانت مستعصية.. وجاء الوقت لحلحلتها.. وتسويتها.. وإغلاق ملفاتها..

الاقتصاد.. لبناء الأوطان وتنميتها

•• وإذا نحن تغلبنا على المشكلة الثقافية.. وحققنا الإنجازات المطلوبة على الصعيد الأمني (الإقليمي).. وهذان المساران نحن سائرون فيهما على قدم وساق، فإن المسار الاقتصادي موعود بتحسن كبير.. في ضوء السياسات المرسومة الآن لتنويع مصادر الدخل.. وزيادة استثمارات أرامكو في الداخل والخارج.. وتحرك القطاع الخاص بصورة أفضل بحل جميع المشكلات المعوقة لانطلاقه في الاتجاه الصحيح.. وتنشيط سوق العمل.. وتخفيض معدلات البطالة.. مقابل رفع جودة اليد العاملة الوطنية ودخولها آفاقاً معرفية جديدة كما هو مخطط لها ومطلوب منها.. وعبرنا حاجز الأداء التقليدي للإدارة الحكومية بمزيد من التمكين للحوكمة.. وتسريع الإجراءات وميكنتها.. والتخلص من البيروقراطية.. وسن قوانين لا تسمح بالخروقات أو التجاوزات.. وضاعفنا كفاءة البنوك ومساهمتها في التوسع في خطط وبرامج الإقراض وزيادة التدفقات النقدية.. وتعزيز الثقة بينها وبين كل من الحكومة والقطاع الخاص.. وضمنا مشاركتها في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة بالحد الأدنى من الأرباح.

•• إذا حدث هذا -وفقا لما هو مخطط له- فإن الأسواق سوف تنتعش والقوة الشرائية سوف ترتفع والدورة الاقتصادية سوف تعمل بكفاءة أفضل بالاعتماد على رأس المال الوطني (المتحفظ) وتوسيع دوائر الاستثمار المشترك بينه وبين المستثمر الأجنبي مع مراعاة مصالح المستثمر المحلي بدرجة أساسية.

•• في الوقت الذي نمضي في سياسة الترشيد المقنن والإنفاق المحسوب وفقا لأولويات دقيقة ومدروسة ومتوازنة.. مع المضي في المشاريع الحيوية والإنمائية سواء ما له علاقة بالبنية الأساسية.. أو بالمشروعات الجديدة.. والمبتكرة.. بما لا يدع فجوة بين تحديث ما هو قائم.. وضروري.. وأساسي.. وبين ما نتجه إليه في المستقبل.. فإن النقلة النوعية المنشودة سوف تفرض واقعا جديدا.. يحس به ويساهم فيه الجميع.

•• وهناك الكثير من المؤشرات القوية على ارتفاع معدلات النمو في العام الجديد.. لما فيه تقدم هذه البلاد على كل الأصعدة.. لتجاوز مرحلة الركود التي يمر بها الاقتصاد في كل دول العالم في ظل المراجعة للأوضاع وتصحيح بعض المسارات.. بهدف الاقتراب من المسار العام الذي تتجه إليه دول العالم وفق حسابات دقيقة إلى أبعد الحدود.

•• ومن المسلم به.. أن المسار الاقتصادي لأي بلد محوري متفاعل مع هذا العالم.. يتأثر بالمسارات الأخرى السالفة الذكر.. سواء كانت سياسية.. أو اقتصادية.. أو أمنية..

•• وبما أن المملكة قد وضعت في حسابها هذا الأمر.. ووسعت دائرة حركتها على تلك المسارات.. بوضع حد للمشكلات التي تنعكس على الأوضاع الاقتصادية لدول العالم مباشرة.. فإن الاقتصاد السعودي مرشح للانتعاش التدريجي وفي ذلك مصلحة لنا.. وكذلك لدول المنطقة والعالم.

•• وعلى جانب آخر.. فإن سياسة الانفتاح على كل دول العالم بإقامة علاقات متوازنة مع الدول الكبرى والمؤثرة في الاقتصاد العالمي.. انطلاقا من عضويتنا في مجموعة الدول العشرين.. واستثمارنا لعلاقاتنا المتينة مع الصين واليابان وروسيا إلى جانب دول أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية، كل ذلك سوف يسهم في توفير حلول عملية للمشكلات الاقتصادية التي تبطئ من حركته.

•• وقد ساهمت جولة الأمير محمد بن سلمان خلال عام 2018م الذي يشرف على الانتهاء إلى كل من دول أوروبا وأمريكا ولقاءاته بقادة دول العالم.. متابعة لما أرساه خادم الحرمين الشريفين من قواعد للانطلاق بعلاقاتنا الثنائية بالدول التي قام بزيارتها أو استقبل زعماءها في المملكة على مدى العام.. هذه الجهود مجتمعة ساهمت في تحقيق معدلات نمو مقبولة.. وفتحت الباب أمام فرص عريضة للاستثمارات الأجنبية في المملكة وهو ما سوف تظهر آثاره في السنوت القليلة القادمة بوضوح أكبر.

•• وهناك مؤشرات قوية على تحقيق المزيد من الاستقرار والنمو لأسواق النفط في العام الجديد.. وبالذات بعد الزيارة المرتقبة للرئيس الروسي «بوتين» للمملكة للاتفاق معنا على أمور كثيرة، ومن بينها رسم سياسة ثابتة يتفق عليها البلدان تساعد على استقرار السوق النفطية.. باعتبارهما دولتين مهمتين في هذه السوق.. وباعتبار روسيا من أكبر دول العالم المنتجة للنفط من خارج منظومة أوبك.. والمؤثرة بصورة أو بأخرى في أسواق السلعة.. علاوة على ما سوف يتوصل إليه البلدان من اتفاقات هامة ومحورية بالنسبة لأوجه التعاون الثنائي بين البلدين لمواجهة المشكلات التي تمر بها المنطقة ويعاني منها العالم كثيرا..

•• فإذا نحن أضفنا إلى كل هذا ما تشهده المشاريع الحيوية الجديدة.. ومنها مشروع نيوم الضخم.. وبقية المشاريع الأخرى التي أعلن عن الشروع فيها في شرق المملكة ووسطها وشمالها وجنوبها.. فإن العوائد المرجوة منها ستكون كبيرة في النهاية.. شأنها في ذلك شأن بقية الخطط والبرامج الرامية إلى تنشيط الدورة الاقتصادية في البلاد.. جنبا إلى جنب هدف المملكة لفتح جميع الأبواب أمام الجميع لزيارتها والاستثمار فيها والتمتع بزيارة مقدساتها عبر فتح بوابات العمرة والزيارة ورفع معدلات عدد الحجيج سنة بعد أخرى.

•• كل ذلك متوقع حدوثه.. مع مزيد من الصبر.. ومضاعفة الإنتاج.. ورفع كفاءة القوى الوطنية العاملة.. وتحقيق المزيد من السلام الاجتماعي والتماسك الداخلي.. وتسوية المشكلات المعلقة.. وفتح العقول.. والقلوب.. والنفوس.. لبناء المستقبل الأفضل بسواعد جميع أبناء الوطن أولاً وأخيراً.