-A +A
نورة محمد الحقباني
صدق من قال إن المفتاح إلى النجاح هو التصالح مع الذات. ببساطة أن تكون الذات خالية من الشعور بالذنب تجاه الآخرين. والطريق إلى ذلك يتمثل حقاً في رضا الوالدين. ولا يأتي الرضا إلا عن محبة متبادلة.

ولا يعرف كثيرون كم هم محظوظون أن في حياتهم على الأقل شخصاً واحداً يحبهم منذ مولدهم. حب لا يعرف المهادنة ولا تتغشاه شبهة مصلحة. يظل داعماً ومبذولاً حتى لو جفوت، أو تناسيت، أو عققت، والشواهد كثيرة ومثيرة.


إنسان في هذا العالم لا يرى عيوبك.

يؤمن بك مهما أخفقتَ مراراً وتكراراً.

شخص يفرح بك أكثر منك إن نجحت.

ويبحث عن الأعذار لك حتى أن فشلت.

شخص ارتبطت ابتسامته بابتسامتك.

لديه كل الاستعداد للتنازل وخسارة كل شيء، حتى الناس والمال.. من أجل أن يراك سعيداً؛ بل هو مستعد للتنازل عن قناعاته من أجل إسعادك. يراك مختلفاً وأي مختلف!.

إنسان عطاؤه لك لا تحده حدود، فهو يعطيك من جسده حتى تعيش في كامل صحتك، ولا ينغص عيشك شيء، ومع ذلك العطاء اللامحدود، لا يمنُّ عليك، ولا ينتظر منك جزاءً ولا شكوراً.

شخص مهما بعُدت عنه فإنك تسكنه، وتملأ جنباته.

حبه لك لا يتغير، ولا يتضعضع، مهما كانت أخطاؤك. وتظل في ناظريه ذلك الفتى، أو تلك الفتاة، مهما كبرت، وغزا الشيب رأسك.

‏شخص يبقى معك بقلبه ودعائه وأمنياته، وبكل ما يستطيع من دون انتظار مقابل لما يفعل. لا يهم إن كان ذلك سيذهب بنومه، أو يلهيه عن واجباته.

المفارقة أنه في الحقيقة ليس شخصاً واحداً!

يا لك من محظوظ. هما في الحقيقة شخصان: الأب والأم. الأب نادراً ما يعبر لك عما بداخله تجاهك، من محبة، وفخر. والأم لا تكف تحيطك برعايتها، وكل ما تفعله ينطق بمحبتك ومدى قربك إلى قلبها. ولا يقلل ذلك من قدر الأب ومكانته... إنه يضحي بصمت من أجلك. أما الأم فتعبّر بفطرتها عما بداخلها، لذلك يستشعر ابنها حنانها. بل إن الأب والأم هما الوحيدان في الكون اللذان لا يحسدان الابن على النجاح، بل يظلان البطلين الحقيقيين وراء كل إنجاز.

نعم نحبكم.

اسمعوها جيداً: نحن نحبكم، ونعرف قيمتكم في حياتنا، وكيف كنتم سبب وقوفنا على أقدامنا؛ بل سبب وصولنا إلى ما حققناه في هذه الحياة من نجاح. لذا دائماً يشعر الإنسان من مختلف الأديان أن وجود الأب والأم، نعمة لا تضاهيها نعمة.

لست بشاعرة ولا حالمة، ولكن كما يقول ابن الجوزي:

لو كنت حيث هما وكانا بالبقا..

زاراك حبواً لا على قدميهما!

محبة الوالدين تعلي المكانة، وتلك المحبة تمثل سنداً لما يأتي من نجاحات وإنجازات، وعوناً لتجاوز الإخفاقات. ويستوي في الإقرار بفضل الأم العظماء وغمار الناس. فقد كان أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية جورج واشنطن (1789 - 1797)، يقول: كل نجاح أنا مدين به لأمي. وأنسب كل نجاحاتي في الحياة للتعليم الأخلاقي والفكري والبدني الذي تلقيته من أمي.

ولا شك بأن لكل منا حكاية مماثلة مع والده أو والدته، أو كليهما. ما يجعلنا نتفق جميعاً على أن محبة الوالدين هي الطعم الحقيقي للحياة، ومنها يستمد الإنسان قدرته على التغلب على الإخفاقات والتحديات والصعاب.