-A +A
عبدالله عمر خياط
.. قبل 30 سنة كان أحد المواطنين يعمل مصححاً في «عكاظ» بالمساء، وهو في الصباح موظف في ميناء جدة الإسلامي، فكان الدخل من عمله في «عكاظ» مسائياً مثل الحصاة التي تسند الزير، رحمه الله. إذ لم يكن المرتب من الميناء يكفي للقمة العيش، وإذ بلغ المرتبة السابعة في وظيفته، فإنه كان يأمل أن لا يصل إلى سن التقاعد حتى ينال المرتبة الثامنة ليكون راتبه التقاعدي أفضل مما لو كان على السابعة.

ومن العون له رفع رئيسه التوصية بعد التوصية بترقيته ولكن دون استجابة، ولما اقترب من سن الستين وصل الطلب إلى وزير الموانئ، طلب مني أخوه الأستاذ محمد عبد الواحد زميلنا في «عكاظ» التوصية لصديقي الحبيب معالي الدكتور فايز بدر - رحمه الله - فأوصى بمنح هذا الموظف المرتبة الثامنة، ولكن عند صدور الميزانية التالية.


وصدرت الميزانية، وتنفس الرجل الصعداء لأنه أوشك على التقاعد إلا أنه فوجئ أن هذه الوظيفة على المرتبة الثامنة قد خطفها موظف آخر. فسلم صاحبنا أمره لله وتقاعد على المرتبة السابعة.. رغم انتظاره عدة سنوات، ثم انتقل بعد ذلك بسنوات إلى الدار الباقية، ومثله كثيرون في مناطق المملكة الثلاث عشرة.

لقد تذكرت هذه القصة المحزنة عند قراءة مقال الأستاذ محمد البلادي في جريدة «المدينة» السبت 17/‏5/‏1439هـ وهو يتحدث عن الفساد الإداري ومنح الوظائف بالواسطة وبالمحسوبية.. إذ قال: «أهل الفساد ليسوا ملة واحدة، فإذا كان الفساد المالي يُمثِّل وجها بشعا تضرَّر منه الوطن والمواطن؛ فإن الفساد الإداري لا يقل عنه سوءا ولا بشاعة، بل ربما كان أكثر منه ضررا وتأثيرا على تنمية الوطن وموارده وقدراته البشرية، التي يموت معظمها للأسف بسبب إحباطات الواسطة والمحسوبية والتسلق، وغيرها من الآفات التي تضع الأسوأ مكان الأجدر والأكفأ؛ لذا فإن أمنية الكثيرين من ضحايا هذه الذراع أن يروا هوامير الفساد الإداري ضيوفا ثقلاء على (الريتز)؛ للإفصاح عن جرائمهم، بعد أن يتم فتح ملفات التوظيف غير المستحق، والسرقات الوظيفية التي جمدت التنمية، وتسببت في ركاكة الأداء في العديد من المؤسسات؛ بسبب وضعها لعقليات خاوية في غير أماكنها، وقتلها لآلاف الكفاءات الوطنية الواعدة، وحرمان الوطن من قدراتها».

ثم قال: «فإن جولة أخرى على أرطبونات الفساد الإداري قد تعيد للوطن آلاف الوظائف المسروقة والمغتصبة، والأهم أنها ستصحح المسيرة الإدارية في العديد من المؤسسات، وتُعيد للكفاءات من أبناء الوطن ثقتهم في أنفسهم، وتسرّع من عمليات التنمية التي كانت تسير بسلحفائية مزعجة».

السطر الأخير:

الفساد جريمة لا تغتفر.

aokhayat@yahoo.com