-A +A
غسان بادكوك
على الرغم من علاقتي المحدودة بالرياضة بشكل عام، وبكرة القدم على وجه الخصوص، إلّا أن الحراك الكبير الحاصل الآن على الساحة الرياضية والذي نجح الأستاذ تركي آل الشيخ في إحداثه، منذ تعيينه رئيساً للهيئة العامة للرياضة قبل أسابيع، قد لفت اهتمامي بشكل بالغ، وهو ما دفعني لمتابعة مستجدات هيئة الرياضة بشكل يومي وبفضول ملحوظ.

وبعيداً عن شؤون الرياضة وشجونها، فقد تمنيت لو كان بالإمكان استنساخ تجربة (آل الشيخ) -بشكل أو بآخر، رغم حداثتها- وتعميمها على عدد من الوزارات والأجهزة الحكومية (الخِدْمية)، التي مضت سنوات منذ تعيين كبار تنفيذييها؛ بدون أن نلمس لبعضهم أثراً مهماً على تحسين مستوى الخدمات التي تقدمها أجهزتهم!.


والأكيد هو أن ما فعله رئيس هيئة الرياضة «الديناميكي» خلال الأسابيع الماضية هو استثنائي وفقاً لـ4 معايير هي:

1. وضوح الرؤية.

2. قِصَر الوقت.

3. تحديد الأهداف.

4. جاهزية الخطط.

لذلك فقد اعتُبرِ أداؤه مفاجئاً لمتابعي الشأن العام ناهيك عن الجماهير الرياضية العريضة؛ إثر اتخاذه قرارات اتسمت بالجرأة والحزم، وحرّكت المياه الراكدة في ملفات رياضية حيوية؛ لاسيما وأنها المرة الأولى التي يتمكن فيها قيادي حكومي رفيع المستوى من إحداث حراك مماثل في جهازه خلال فترة زمنية لا تكاد تُذكر؛ إذ كثيراً ما طالبت -وغيري من الكتاب- وزراءنا أن يعلنوا خلال المائة يوم الأولى بعد تعيينهم، عن رؤاهم، والخطوط العريضة لإستراتيجيات أجهزتهم، وأبرز الخطط والبرامج التي يعتزمون تطبيقها لتنفيذ تلك الإستراتيجيات، ولكن للأسف فإن التجاوب كان محدوداً إن لم يكن شبه معدوم!.

ورغم الجدل الملحوظ الذي انتشر على وسائل التواصل بُعيد الإعلان عن تعيين رئيس (الهيئة) الجديد؛ بسبب بعض تغريداته السابقة للمنصب، إضافة إلى ميوله الرياضية المعروفة لأحد النوادي الكبرى، إلّا أنه استطاع أن يطمئن جماهير الرياضة السعودية بحياديته التي يفترض أن تمليها عليه مهام الوظيفة العامة؛ ليفصل تماماً بين خياراته الشخصية وبين مسؤولياته الرسمية. وفي تقديري فإن رئيس هيئة الرياضة الذي لم يسبق له أن شغل منصباً تنفيذياً قيادياً قبل تعيينه، قد استلهم نهجه الإداري من ولي العهد وفارس رؤية المملكة الأمير محمد بن سلمان؛ الذي عُرف عنه بُعد النظر والإقدام الرصين وعدم التردد في اتخاذ ما يلزم إزاء التحديات والملفات العالقة؛ وفي التوقيت المناسب.

وسأحاول إلقاء إضاءات سريعة على أبرز القرارات الإداية والفنية التي اتخذها رئيس هيئة الرياضة خلال الأسابيع الماضية والتي أثق بأنها ستغيّر ملامح المشهد الرياضي في المملكة خلال الفترة القادمة؛ لو تمّت متابعتها وتنفيذها بكفاءة، كونها ستنعكس إيجابياً على تطوير كافة الألعاب؛ خصوصاً كرة القدم التي تنفرد بالنصيب الأكبر من الشعبية ولاسيما بعد تأهُّل منتخبنا الوطني لخوض منافسات كأس العالم في موسكو منتصف العام القادم، ومن أهم تلك القرارات ما يلي:

1. اسم الدوري: إعادة إطلاق اسم «الدوري السعودي للمحترفين» على مسابقة دوري الأندية الممتازة، بعد إلغاء المسمّى السابق وهو «دوري جميل». القرار أعاد برأيي الأمور إلى نصابها الطبيعي لأنه من المفترض أن لا يلغي الدعم المقدم من قطاع الأعمال؛ مهما بلغ حجمه، الاسم الـ(سيادي) للدوري الوطني، مع التقدير للشركة التي استمرت في دعمه، وهو ما يستدعي تعويضها عن إلغاء المسمى؛ بشكل أو بآخر نظير المبالغ التي تدفعها.

2. أداء الحقوق: التوجيه بتشكيل لجنة لوضع الحلول اللازمة لتأخير صرف مكافآت الحكام وتراكمها. والجيد والملفت هنا هو تحديد سقف زمني يبلغ شهراً واحداً من تاريخ صدور القرار، لتنفيذه، عوضاً عن ترك الأمر للاجتهادات، أما الأهم فهو إرسال رسالة مفادها الحرص على أداء الحقوق المالية لمختلف أطراف الأنشطة الرياضية وعدم التهاون في صرفها؛ تحت أي ذريعة، وهو ما يرسخ مبدأ العدالة واحترام التعاقدات وتقدير الجهود.

3. دعم التدريب: الاهتمام بتطوير الكفاءات الوطنية في مجال التدريب (الكروقدمي)، وصولاً لإعداد جيل من المدربين السعوديين القادرين على رفد أنديتنا بمهارات تدريبية وطنية، والحد من المدربين الأجانب الذين أخفق الكثيرون منهم في تحقيق نتائج جيدة لأنديتهم؛ رغم ارتفاع مخصصاتهم المالية، لذلك فقد تم تكليف الاتحاد السعودي لكرة القدم بتقديم دراسة حول إيجاد برنامج متخصص لابتعاث المدربين الوطنيين وفق معايير دقيقة؛ وإن خلا القرار من تحديد مدة لإعداد الدراسة.

4. اكتشاف المواهب: تشكيل لجنة لاكتشاف المواهب في كرة القدم، من مواليد المملكة المقيمين في مختلف المناطق والمحافظات، ممن لا يحملون الجنسية السعودية، واستقطاب الموهوبين منهم وذوي القدرات المتميزة في اللعبة، والجيد في الأمر هو تشكيل اللجنة من بعض أفضل لاعبي الكرة السعوديين السابقين. القرار هو سابقة تاريخية وسيؤدي حتماً للاستفادة من تلك المواهب بعد تعهدها بالرعاية وصقل الموهبة، لمد أنديتنا ومنتخبنا الوطني بدماء شابة؛ جديدة وموهوبة.

5. تعزيز النزاهة: تشكيل عدة لجان للتحقيق في ملفات عديدة في القطاع الرياضي؛ قد تشوبها شبهة الفساد؛ منها كشف المتسببين في إغراق بعض النوادي في الديون، واستلام بعض المنشآت الرياضية دون اكتمالها أو صيانتها، ومعرفة أسباب تعثر أو تأخّر تسليم بعض المنشآت الأخرى، مع تقديم دراسة لتحسين بيئة الملاعب وترقيم المقاعد وربطها بالتذاكر الإلكترونية، والعمل على إكمال إجراءات إطلاق اتحاد الإعلام الرياضي بهدف تنظيم كل ما يخص هذا الجانب.

ختاماً، أعتقد بأن التحدي الفعلي الذي يواجه رئيس هيئة الرياضة في المستقبل هو ترجمة كل ذلك الحراك إلى (نتائج) رقمية ملموسة وقابلة للقياس، ولكن تحقيق ذلك سيستلزم منه نقل الألعاب الرياضية السعودية من ترتيبها الإقليمي والدولي غير المُرضي حالياً والذي تقبع فيه منذ عقود؛ والانطلاق بها لآفاق بعيدة؛ حدودها السماء. وفي تقديري فإن تحقيق ذلك سيتطلّب تمسّك (الرئيس) بنهجه الإداري الحازم، مع عدم تخلّيه عن الحماس والجرأة اللّذين ميّزا قراراته حتى الآن، والإبقاء على روح المبادرة التي انطلق منها مُحدِثاً كل هذا الحراك غير المسبوق على الساحة الرياضية السعودية.