تعتبر قراءة الكتب إحدى الوسائل الأساسية لاكتساب المعرفة، غير أن هذه المعرفة ليست نقية أو مباشرة كما قد يبدو للبعض. يتضح ذلك إذا دققنا النظر في ماهية المعرفة التي نحصل عليها من قراءة الكتاب، نجد أن ما قرأناه هو معرفة غير محايدة تمثل وجهة نظر ومفهوم الكاتب. كما أن المعرفة التي نحصدها من الكتب تكون متأثرة بمفاهيم القارئ الخاصة ومعرفته. هناك العديد من العناصر التي يجب أن ينظر لها ونحن في صدد تحديد ماهية المعرفيّة التي نقصدها. لأن المعرفة من الكتب كما أسلفنا ليست محايدة تمامًا - كل كاتب ينطلق من خلفيته الثقافية، تجاربه الشخصية، وأيديولوجيته، مما يؤثر على الطريقة التي يقدم بها المعلومات. تفاعل القارئ مع النص -عنصر يجب النظر فيه وفي أثره الهام. لأن القارئ لا يكون صفحة بيضاء، بل يحمل مفاهيمه المسبقة وخبراته تؤثر في استقباله للنص وفهمه له. وما يستخلصه قارئ من كتاب قد يختلف تمامًا عما استخلصه قارئ آخر؛ القراءة ليست استقبالًا سلبيًا - إنها عملية نشطة من التفكير النقدي والتفاعل مع الأفكار. كما أن الكتب ليست كلها من نفس النوع - هناك فرق بين كتاب يقدّم رأيًا شخصيًا وكتاب أكاديمي خضع لمراجعة التدقيق والبحث والتحري، أو كتاب تاريخي يعتمد على وثائق.

المعرفة عادة تُنتج في سياق ثقافي واجتماعي وسياسي محدد. كما أن الكاتب ليس فقط فرداً بل هو جزء من نظام معرفي أكبر. والقارئ ليس صفحة بيضاء بل متفاعل ومتلقٍ غير محايد في أغلب الأحيان. وبمعنى آخر المعرفة ابنة سياقها الثقافي والاجتماعي والسياسي. والكاتب لسان حال نظام معرفي أكبر، وليس صوتًا فرديًا خالصًا. حتى القارئ، فهو شريك في إنتاج المعنى، يتفاعل مع النص من خلال عدسة خبراته ومعتقداته، مما يجعله متلقياً غير محايد في الغالب.

قراءة الكتب تظل وسيلة غنية لا غنى عنها للحصول على المعرفة، لكن يجب أن نقرأ بوعي نقدي. وأن نتنوع في قراءاتنا لنسمع أصواتًا مختلفة. وندمج القراءة مع تجارب حياتية أخرى. ومن المهم إدراك أن المعرفة الحقيقية تتطلب جهدًا تفكيريًا يتجاوز مجرد استهلاك المعلومات؛ حتى لا تكون الكتب كمصادر مطلقة للحقيقة، بل كمواد للتفكير والحوار والنقد.

إذن، إذا كان الحياد المطلق شبه مستحيل، فكيف نقترب من المعرفة الموثوقة؟ هنا تبرز قيمة الموضوعية الأكاديمية، التي لا تدعي الحياد الكامل بل تسعى جاهدة لتقليل التحيز عبر منهجيات صارمة في البحث والمراجعة والتحقق.

لذلك، تظل قراءة الكتب وسيلة غنية لا غنى عنها، شرط أن نقرأها بوعي نقدي، نتنوع في مصادرنا، وندمجها مع تجارب الحياة. فالمعرفة الحقيقية تتطلب جهداً يتجاوز استهلاك المعلومات، لتصبح الكتب ليست مصادر مطلقة للحقيقة، بل وقوداً للحوار الدائم وإعمال الفكر.