-A +A
علي بن محمد الرباعي
أقسم المؤذن للفقيه؛ بأن قلبه ضامي على (شتفان) وفي صدره مُحقره؛ ووده يشفي غليله فيه، ويشتفى منه ومن أبوه؛ لا رحم الله جلاميده؛ فقال الفقيه؛ لا تستعجل عليه؛ لين يبرد حزنه على شيبته؛ قال؛ ما معي قدرة على الصبر؛ فعلّق؛ كسّر قرونها يا الفرخ، وشبك مطنقر؛ بشويش؛ وبالهون ولو تبغي ننخُش العيون؛ فقال؛ كيف بالهون وأبوه محراث فتنة؛ قبوسه واريه في كل بيت؛ وقام يذكّره؛ نسيت كيف كان يحدانا بالحصى وانحن صغار؛ نسيت يوم فقع رأسك بفهرة؛ وانت تبخّس في دمنته؛ تدوّر للدواحيس؛ علّق الفقيه؛ يا سلتان فُكّ في العلم؛ العريفة والشاعر في صفّ (شتفان) ولو بيّنت ما في خاطرك بيحتمونه؛ ويتعدون منك ومنّي.

بعد صلاة العشاء يوم الربوع؛ وصّى الفقيه المؤذن؛ يهبط سوق الخميس، ويشتري لحمة؛ تسدّ ثلاثة؛ ويعزم (شتفان) يتعشى معهم؛ وحلف يا كُلفة العشا إنها بينهم؛ قال المؤذن؛ كلما دفيتني في مخنقة؛ قلت بيننا، ولا شفت منك لا كثير ولا قليل، فقال؛ مالك فضل؛ نسيت إني حطيتك مؤذن، وزكاة العشور اقسمها بيني وبينك، فاستدرك؛ وقال؛ عسى الدنيا فداك يا فقيهنا، ما غير أقيس مويتك واهز عيبتك، فردّ عليه؛ مويتي مدغثرة؛ وعيبتي مصفّرة؛ ورتّب الفقيه العلم مع المؤذن؛ قبل ما يجي (شتفان) وبعد المغرب تعشوا؛ وبدع الفقيه قائلاً؛ شفت جمل (عروان) يا ديكان؛ فقال المؤذن؛ حيّك جمل لو تحمله قنطارين طلع بها السندا؛ قال الفقيه؛ الله كم عيّن منه؛ خير وجمالة وجه؛ قال المؤذن؛ يسوى له مية ريال، لكنه بيبيع بثمانين لو كان فيه مشتري صامل، فقال المؤذن؛ يصلح لـ(شتفان) بلاده محرثة دور، وليش يكتري؛ وهو يقدر يشتري، تدللوا عليه، قال لهم؛ ما معي نقدي؛ قالوا؛ ارهن ركيب إلى حول الليلة؛ واشتروا له الجمل، وغدا طرده وسعاه على القرحان؛ يختلون له، ويقلعون له جوج، وبطنه ما يمسك، فأقسم الفقيه انه صابته عين، وقام يقرأ عليه، ويعلّق تمايم في أذانيه، ثم تولوه بالكيّ في شطيّته، حتى حسر، وما غلّق الشهر لين سحبوه للكلاب.


فكوا عنه ثلاثة أوعاد وإلا حولها، وشاروا عليه بشور أقشر، ودنا نشتري بقرة ساحلية؛ تحرث، وتحلب، وتسمّد، وذكروا له اسم بقّار في تهامة، مذكور بالخير، وتواعدوا مع سايق جيب ينزلهم ويطلعهم بعشرة ريال؛ تداحشوا في الغمارة، وردد الفقيه الأدعية المنجية، حزّة ما لمح البرق والغيم؛ على الشُفيان؛ وقال معنا نُصب؛ الله يعطيناه برضا، ويقسم لنا في مندارنا للتُهم ما يحبه ويرضاه، يدعي ويغمز للمؤذن، فقال المؤذن؛ ما حد يدري فين الخيرة، وطلّق لو تغدي رقبته فدى (شتفان) إنه على خاطره مثل العسل، قال (شتفان) للسواق؛ عشّق الدبل، العقبة جيره، وما ودي يسخن هوبك! علّق السواق، ما بيسخّن، قد برّدته البارح في حوش عمتك، وتضاحكوا والفقيه يفغص بيسراه فخذ السواق.

وصلوا تهامة، وضيفهم دلال البقر، على عيش دُخن، ودهانة معزا، وحُقانة بقر، وعسل جبال، تعشوا، وأعطاها ربّ العطايا، الوديان سيلها يركب بعضه بعض؛ اختلط صوت الرعد بكركبة بطون الحزازية؛ نفخهم اللبن، وليّن العسل معيانهم، وسرى فيهم ليل، ما ودك يسري على عدو ولا صديق.

ما معهم قدرة يخرجون، ولا معهم مكان يتنفسون فيه؛ واقترح واحد منهم يشد اثنين سفرة فوق روسهم؛ والمضطر يتبرر؛ وكلما دقّ (شتفان) بطنه؛ يلزمون له السفرة؛ وهو يهرهر ويردّد (الله لا يذكركم بخير) فيردّ الفقيه عليه؛ وش ندوّر من وراك يا خلوفة (ملوّق التباسي) نبغي لك نفعة؛ وانت كما الثور الحاسر؛ لا تنساق ولا تنقاد.

عادوا بالبقرة، وضرعها يسحب في الحيلة، وتباشرت القرية بالبلالة، وما غير لفحها الهوى ضمرت؛ وساعة ما دخلت السفل غدت ضرتها مشلاه، اشتكى (شتفان) على الفقيه، فقال؛ ريت وقفتنا نفطر في عُشة (بشيبش) فيه رجال معصقل شفته يدرج حول السيارة، وعينه قاطعة في بقرتك وأظنه أعطاها ولا خطّاها، وندف صدره؛ دواها عندي؛ تبيّت بها في الوادي، وإذا اكتمل البدر وسط السماء، فاغترف من الغدير ورش على ظهرك وظهرها، وامسح ضرتها بيدك اليمين، وايدك الشمال شد بها ذيلها سبع شدات لين تسهل؛ وإذا لمحت أحد حولك، وإلا سمعت صوتاً، فلقّ وجهك ويلا الغَرَبة، ولا تلتفت، وعندما ضمن أنه بينفذ التوصية، قصد ديكان وقال؛ وش لي من بشارة؛ فقال المؤذن؛ المدارة والحمارة، ردّ عليه؛ قَدْرَك يا ديكان، بشارتي؛ المفطّح والمدردح؛ فضحك المؤذن، وقال؛ انت أشقف ألقف؛ الحلال في وقت؛ ما يبني فُطحة، وصاحبة المدردح؛ حولها شبا مسلّح، وقليم مملّح، ما تشوفك إلا كحلة في طرف عينها؛ ما غير تحاش على سيقانك من بولك اللي كما بول الجمل يعوّد على ورا.

انفعل وقال؛ خلّك من الكلام اللي ما يودّي ولا يجيب؛ أبغاك تتلبس من ثياب مرتك، وتتعصب، وتسرح الوادي؛ وإذا جاك (شتفان) بالبقرة فخُذ عقله، واذهبه، لين يقلعه الله عنك؛ واقتاد البقرة، ولا توقف إلا في سوق السبت؛ فقال المؤذن؛ بليت همها؛ جابه الله يوم حبّ وراد.

سرح (شتفان)، وما أمداه يدنق يغترف من الغدير؛ إلا وهو يشوف خيال يتراقص قدام عينه على سطح الماء، حاول يلتفت فشصّب في مكانه، وما لقي مكان يتوزّى فيه إلا الغربة، فتعلّق فيها وغمّض عيونه، واقتاد ديكان البقرة، واقفى بها.

استفزغت زوجته بالطحاطيح؛ ويوم بدوا؛ على الرجال لاونه متعلّق في الغربة؛ ما فوقه جردة؛ وجبجبه متطاير؛ سمّوا عليه؛ وتفل الفقيه على رأسه، وبالغصب فكوا أيديه من فرع شجرة الغَرَب؛ واستندروه؛ وزفوه للبيت وهو يرتقف؛ قال الشاعر؛ بقرة الرجال ما روحناها؛ واختلفوا بينهم ناس يقولون خلوها للصبح ونعوّد عليها، وناس يقولون بتأكلها السباع نعوّد لها.

أصبحت، لا معه بقرة، ولا في بيته ثمره، فقال الفقيه؛ حط في عمامتك قرص مخووض، ودحوة قسبة، وخمسة ريال، وعلّقها في السدرة؛ وما تشرق الشمس إلا بقرتك عندك، ما رقد (شتفان) ولا مرته ولا عياله يتنشدون بعض؛ بدا النهار، ظهر السفر؛ أشرقت الشمس؛ واصبحوا مثل ما بيّتوا؛ فعمد الفقيه؛ قال له؛ يا ولد، أخاف انك حطيت في القرص بصل، والجنّ ما تداني ريحة البصل.

استشعر (شتفان) الغشيشة، واشتكى للعريفة؛ قال؛ تا الحزة؛ بعدما خسرت جملك وبقرتك، فقال (شتفان) شفتهم ما يونّون، رايحين المسيد جايين من المسيد؛ فوثقت فيهم؛ فضم ثلاثة أصابع، ودقّ بها على صدره، وقال؛ أوه لو تعرف اللي أعرفه عن بعض المراكعين؛ أنا لو ما قد مصقت في أثمامهم؛ كان باعوا واشتروا فيّه؛ سأله؛ ومن يردّ لي بقرتي وجملي، فقال؛ تكبر وتنسى؛ وإذا بالشاعر بادي عليهم من طرف الحوش؛ فقال اسمعوا؛ (بغيت يا شتفان تغدي كما طلاية الروس؛ وزاد ربي سلّمك بيد دبرانٍ وديكان؛ ما عد لقينا منك للفال يا شتفان خُفسه)، فضحك العريفة، وبشّر (شتفان) بالعوض، قال؛ رأسك عوض يا شيخنا، علّق الشاعر؛ رأس الشيخ عوض في الكُمل؛ ما هي في البقرة والجمل، فتعالت الضحكات؛ وداخنة الملّة تسبح من فوق روسهم إلى خشب سقف البيت، واقبل عليهم الفقيه بطاسة مرقة بالبصل والحوار؛ فقال العريفة؛ اطعموا (شتفان) من لحم بقرته؛ فزاد الضحك؛ والفقيه ينغز الشاعر؛ فقال لا تنغزني (كنت احسبك صايم مصلّي، واثر إنك أزفر من يهودي).