-A +A
عبداللطيف الضويحي
تقول الحكمة الصينية «إذا أردت عاماً من الرخاء والسعادة، فازرع الحبوب. وإذا أردتَ عشرة أعوام من الرخاء والسعادة، فازرع الأشجار. وإذا أردتَ حياةً كاملة من الرخاء والسعادة، فازرع الإنسان». من هنا أدرك الصينيون حجم المآسي التي يعاني منها الإنسان في منطقة الشرق الأوسط نتيجة صراعات بعضها مباشر بين شعوب المنطقة والبعض غير مباشر من خارج المنطقة يتخفى وراء عناوين وشعارات لغايات استمرار إنهاك الشعوب بغرض استمرار استغلال ثرواتها ومواردها.

لكن الصينيين العاكفين منذ سنوات على مبادرة الحزام والطريق، التي تُعد أكبر مشروع بنية تحتية في التاريخ البشري، وهي المبادرة التي تقوم على أنقاض طريق الحرير، وذلك من أجل ربط الصين بالعالم، اهتدوا إلى أنهم من القلائل الذين يمتلكون مفاتيح رئيسية للتغيير في منطقة الشرق الأوسط. والسبب هو أن الصينيين لم يتورطوا باستعمار هذه المنطقة ولم يكونوا جزءاً من التاريخ السياسي والعسكري لهذه المنطقة. وهذا يضمن مبدئياً نزاهة الصين وحيادها في التعامل مع قضايا المنطقة ويمنحها الكثير الثقة من أغلب الأطراف من خلال تقديم الحلول للكثير من مشكلات المنطقة العالقة والإسهام بإرساء استقرارها ونهضة شعوبها وازدهارهم.


قد يكون من المبكر الحكم على نجاح المبادرة الصينية في الوساطة بين الرياض وطهران التي أسفرت عن إعلان إعادة واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران وفتح السفارتين في غضون شهرين، لكن المؤشرات والظروف المحيطة بهذه المبادرة، بجانب ردود الأفعال الإقليمية والعالمية التي حظيت بها هذه المبادرة والزخم المصاحب تكشف حجم المردود الإيجابي الذي ينتظر شعوب المنطقة فيما لو تحققت المبادرة لما وراء إعادة العلاقة بين دولتين إقليميتين مهمتين هما المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية.

من المؤكد أن هناك قوى لا تريد استقراراً ونهضة وازدهاراً لهذه المنطقة ولأفريقيا، هذه القوى تجد نجاحها دائماً في التدمير والخراب، حيث البيئة المناسبة للاستغلال والاستعمار والنهب والسرقة والعبودية. هؤلاء سيسعون لتقويض كل مسعى للسلام.

بعيداً عن التفاؤل والتشاؤم، هناك معطيات تشير بوضوح إلى أن فرص النجاح أكبر بكثير من عوامل الفشل لهذا الاتفاق السعودي الإيراني؛ فالسعودية، لديها مشروع تنموي طموح تعمل عليه وتتبناه وتديره قيادة شابة طموحة تتمثل بسمو ولي العهد عراب «رؤية المملكة 2030».

هذا المشروع يتقدم بخطى ثابتة حثيثة ويحقق إنجازاتٍ مهمة ويسجل أرقاماً عالمية لافتة. هذا المشروع لا بد له أن يترعرع وينمو في بيئة آمنة ومستقرة ومحفزة. فالمملكة لها دور عربي قيادي وإسلامي ريادي، وهو ما أكد عليه وزير الخارجية السعودي وهو يدعو لتبني صوت العقل والتعاون والحوار بدلاً من المواجهة.

إيران في المقابل هي الأخرى بحاجة لهذا الاتفاق والبناء عليه واستثماره لكي تتغلب على الكثير من التحديات والصعوبات الأمنية والاقتصادية الداخلية والخارجية، وهو ما يحققه لها هذا الاتفاق على المدى البعيد ومن خلال العمل بما ورد بالإطار العام لهذا الاتفاق وتفعيل بنوده على أرض الواقع.

أما الصين فهي مستفيد مباشر من نتائج هذا الاتفاق، لما يحققه لها من مصالح كبيرة في السعودية وفي إيران والمنطقة ككل على صعيد تأمين آمن للطاقة، وفتح أسواق مهمة للمنتجات الصينية في المنطقة والعالم وهو ما يصب بتحقيق مبادرة الحزام والطريق، بجانب النصر الكبير للدبلوماسية الصينية الجديدة في مضمار السباق العالمي لتشكيل النظام العالمي الجديد من خلال لاعبين جُدد ومن خلال قواعد جديدة.

الشرق الأوسط منطقة مهمة، وشعوبه تستحق حياةً كريمة، تليق بالديانات التي انطلقت منه، والحضارات التي انبثقت عنها، والإسهامات العلمية والحضارية الكبيرة التي قدمتها شعوب المنطقة للبشرية عبر التاريخ.

إن «الشرق الأوسط» ليس أوسطاً جغرافياً فحسب، لكن الشرق الأوسط هو مركز العالم بتاريخه وحضاراته ودياناته وموارده وإسهاماته البشرية الكبيرة. لذلك نحن نريد «شرق أوسط جديداً» يصنعه وينتجه أبناؤه الحقيقيون بمساعدة المخلصين في العالم، ولا نريد «شرق أوسط جديداً» تتم طبخته وصناعته في واشنطن ولندن وباريس.