-A +A
أنمار مطاوع
لم تكن كثير من الأحداث تجري في حياتي.. ولكن حياتي كانت تجري في كثير من الأحداث. لا.. العبارة ليست متناقضة ولا متفلسفة.. فعلياً لم تكن حياتي مليئة بالأحداث، ولكن شغفي كان يأخذني من أذني ويدور بي على أبواب الأحلام.

بدأت قصتي بعد أن تخرجت من الجامعة بتخصص (...) فقد كان العمل في هذا المجال شغفي وحلمي منذ الطفولة. وطبيعي بعد أن تخرجت، بدأت في البحث عن وظيفة. كل صباح كنت أقرأ إعلانات الوظائف الشاغرة.. وأختار ما يناسبني ويناسب طموحي. ولكن الوظائف التي كانت تناسبني تماماً.. دائماً فيها (شرط واحد) يخرجني من قائمة المرشحين؛ أيّاً كان الشرط.. المهم أنا وأمثالي خارج القائمة. وكأن إعلان الوظيفة مصمم لشخص واحد.. ولا ينطبق على أحد سواه.


في بعض الأحيان، أتحمّس، وأذهب للشركة المعلنة عن الوظيفة؛ حين أعتقد يقيناً أن المواصفات تنطبق علي.. والوظيفة ملائمة. المهم أن أقدّم عليها. وهناك تبدأ المفاجآت. مثلاً، أتفاجأ أن الوظيفة مؤقتة أو بدوام جزئي؛ وللأسف لم يذكروا ذلك في الإعلان، أو أجدها في مكان بعيد خارج البلدة.. في واحدة من الهجر المجاورة؛ أيضاً لم يذكروا ذلك في الإعلان، أو في بعض الأحيان.. حين أصل إلى مكان الوظيفة تأتي العبارة التي لا سبيل للتحدث بعدها: (انتهى وقت التقديم).

في بعض المرات، كنت أواجه إجابات عنصرية: (أنت شاب ونحن نبحث عن فتاة) علماً أن الوظيفة لا تتطلب فتاة.. (موظف استقبال) في مكان مختلط. أو تخبرني لجنة المقابلة -تتكوّن اللجنة من شخص واحد فقط- أن وزني الزائد لا يتوافق مع الوظيفة؛ تلك كانت وظيفة (محاسب في بقالة كبيرة).. بالتأكيد ليست وظيفة عارض أزياء. وبما أن الشيء بالشيء يُذكر، كان ضمن أحد المتقدمين معي من (ذوي الإعاقة السمعيّة) فتم استبعاده فوراً لعدم وجود مترجم.

في النهاية وجدت وظيفة إدارية في شركة صغيرة واشتغلت فيها بما يرضي الله. بعد سنتين وصل راتبي (4000) ريال؛ وكان هذا هو الحد الأقصى في وظيفتي. بدأت التقديم في وظائف أخرى، وفي كل مرة يسألونني في المقابلات الشخصية عن راتبي أخبرهم أنه (4000) ريال.. فيعرضون علي (4200)، رغم أن الوظيفة التي تقدمت لها براتب (5800) ريال.

الرواية السابقة بكل ممارساتها ستصبح -قريباً- من الماضي. حيث صدرت مسودة قرار وزاري لضوابط الإعلان عن الشواغر الوظيفية والمقابلات الشخصية تغطّي أهم جوانب الغموض في شغل الوظائف والتعيينات، وتحجّم التمييز والتخصيص وجميع أنواع العنصرية.

وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية أحمد الراجحي -وفريقه المبدع- استطاع أن يدخل في عمق معاناة الباحث عن وظيفة: بدءاً من إعلان الشواغر وانتهاء بالتسويف.. مروراً بالمقابلة الشخصية، واستطاع أن يضع مسودة تعالج تلك المعاناة بما يخدم الشفافية والعدالة في التوظيف.. ويعيد الشّغف للباحث عن وظيفة، ويُفسح المجال في سوق العمل للمواهب والكفاءات الحقيقية لخوض تجارب عادلة في رحلة البحث عن وظيفة.