-A +A
علي بن محمد الرباعي
انفرط لسان (ربحا) على سُفانها، وأم زوجها، وأخته المطلّقة، قائلة؛ ما عدت إدري من أصالي، منكم؛ عساكم دفع وصدقة؛ الواحد منكم، يتحكّم وهو ما يسوى ملى إذنه فريقة، وزادت: وين أتقسّم، ورفعت يديها، وبصوت مرتفع، سألتهم؛ كم معي إيد؛ وكم فيها أصابع، (ربحا) ولّعي التريك، (ربحا) عشّي البقرة، (ربحا) رضّعي الحسيل لا تشناه أمه، (ربحا) وش معك لنا عشا، (ربحا) ردي البداية، (ربحا) وين كُرتتي، خافوا ربي ما عاد أفضى أحكّ رأسي، نظرت الجدة للأحفاد؛ وقالت: لا تشرهون عليها؛ (كِيشان) له دور ما يسوق الحبلة، فردّت عليها بضيقه؛ ساقك بطنك يا مخثردة.

قالت الجدة؛ الله لا يهينك؛ بدي روّشي الصغار، الليلة مدخال شهر رجب، فاعتذرت؛ ما نيب سامهة؛ خلي عمتهم اللي ما هِلّا تلاعب خيالها؛ تروّشهم، فما أعجبها ردّها، فقابلت بوجهها القِبلة ورفعت كفيها؛ يا الله بارك رجب وشعبان، وبلغنا رمضان، لا فاقدين ولا مفقودين، وكِلْ لنا من خيرك، ولا تِكلنا لغيرك، وأوصتهم؛ تراكم سد وجه الله؛ لا تحذفون بسّة، ولا تطردون كلبة، ولا تكسرون عظمة، ولا تقطعون شجرة، ولا تنفرون طير، ولا تردون متشبّر، لو ما تعطيه إلا عود يتمسوك به، ترى ربي؛ يرسل ملائكة؛ في رجب يختبرون الخلق. علّق أشقى الأولاد؛ وشب الاختبارات تيه، ورانا ورانا، من المدرسة إلى البيت، فوضعت إبهامها على شفتيها، وأشارت للسماء.


عاد (كِيشان)، بعدما أظلمت، فنشدته أمه؛ ماشي خِلاف؟ أجابها؛ على العدو، نعلمك بعفاك؛ عشينا الحمير ولقّمنا جمل (حثران) عشان؛ بنسرح بكرة نحتطب من الشرق، سألته؛ من بيسرح معك؟ فقال؛ أنا، وحثران، والفقيه زفران، وفرثان، وعثربان؛ فعلّقت؛ تباركوا بالأسامي والنوامي، وأضافت؛ الله يعطيك خير مسراحك مع ذول النمارا، وأقسمت؛ أن قريتهم تغيّرت بغيرها، وحلّ في الديرة غير أهلها، وبدأت تعدد له أسماء رجاجيل القرية زمان (سمنان، وعسلان، وشحمان، وقرصان، وفتّان) وبدأت تغنّي؛ (وش أقعد أسوّي، لا ماتوا أحبابي).

استقرب (كِيشان) الدلة وصبّ لأمه، في فنجالها؛ المقعّر؛ وناولها حبة تمر، من صحن مثلّمة أطرافه، فقالت؛ الله يكثره؛ كُل إنته؛ فقال؛ حلّي قهوتك، التمر مسامير ركب، ردّت؛ مسامير رُكب؛ للي بعد فيه حيل؛ ينط الخيل، ويسري الليل؛ ويقطع السيل، ويعدّل الميل، ويمغط الفتيل، علّقت (ربحا) الله ربنا وربك، والله لو أطبخ لك (كيشان) لتأكلينه، فتضاحك الأولاد، فسألتها الجدة؛ وش تبرطمين يا بنت رُبّ التنكة؟ فقالت: سلامتك يا عمة؛ ما غير أقول التمر يجيب الكدّاد في الصدر، فطلبت من ابنها صحن التمر، والتهمت ما تبقى، مرددة؛ اعرف الكدّاد في صدر من!؟

استقام (كيشان) وأندر سرواله من وسطه، وزقا به باتجاه زوجته؛ وهي تدغبس عشاهم؛ وتطرحها؛ فوق مرقة الدُجر، فردّت؛ عِندكم يا أهل الدمنة؛ ما قد رحت بسروالك إلا مشقوق! قالت الكهلة؛ سمي بالرحمن على ولدي، دمنوك إنتي وأهلك، حاشا عيالي؛ فقطع (كِيشان) الهرجة؛ أرقعيه؛ تقحويت عشان اقتلع عثربة من طرف العِراق؛ وزلقت، وانفتق السروال، فقالت أمه؛ الحمد لله إنها في السروال ولا فيك، عساه فداك هو ومن يرقعه.

مسحت يدها من العجين، وأندرت علبة حديد، وقربت من الاتريك، وأخرجت إبرتها وبرمة، بلّت طرف البِرام بريقها، وفركتها بالأصابع لتنحفها، وحاولت تدخل الخيط؛ في الإبرة ما نجحت، فاستعانت بابنتها (ربيحة) فأدخلتها، وناولت أمها، فأمرتها تنتبه للحلة لا تطفر، وإذا قرّبت تغش، ترفع الغطا.

غبشوا جُهمة الطير، وشاف (فرثان) راعية غنم، فقال؛ تكفون؛ سالت ريقتي ودي (باللِقط) قالوا؛ بينفخك، قال؛ ينفخ جهده أنحن في برّ بو سالم؛ فمدت له الراعية السخيّة بدحوة، وقالت؛ ليّنه في الماء إن كان نيبانك همله! فردّ عليها؛ وهو يندف صدره؛ سنوني تطحن المرو.

حلّوا في شُعب القرض، فظهر عليهم من أعلى الشعب (بدوي) ما يشوف العرب في عينه شيء؛ وسألهم؛ وين تبون يا بوّالين في مراقدهم؟ فأجاب؛ (كِيشان)، نحتطب من ديرة بن سعود، فقال؛ يا بمها؛ يا بمها؛ والله ما تحطون عود مع عود؛ لين نتقايس، ونتطارح فقال؛ فرثان؛ خلوه باسدكم فيه، قال للبدوي؛ خُذ الدخلتين، وكل ما اشتاله أهمل فتيل القربة، فيتلثم البدوي؛ ويصيح (اهب وش مأكل خويكم البرميل) فطاحوا على بطونهم من الضحك.

تحطبوا، وحطب البدوي معهم، وشدّوا على جملهم، وعلى حميرهم، وقيّلوا تحت السدرة، وما سكت البدوي؛ يغرّب على البل؛ قال الفقيه؛ وراك؛ شتّرت حلقك بالصياح ترى (البل ما ترعى تحت الصايح) امتعض البدوي، والتقص من كلام الفقيه (زفران) ثم لاحظ أن عينه طويلة؛ فقال؛ عطونا نشيد يا مطاليق، قالوا؛ أعطنا إنت، ويرد عليك الفقيه؛ فبدع على لحن السامر؛ (فقيه الحضر يدبي كنه النملة في الحيله، وأنا خايف على الصياد يا عربان ينصادي) فشالوا بالبيت؛ وحكحك الفقيه لحيته، وقال خذ ردها (فقيه الحضر ما ينوي لكم خِله ولا ميله، ولكن راعي البعران يبغي يحتمي الوادي) فحمّلوا وصفوا يلعبون، ولا عبّوا ولا ثبّوا، إلا والبعير، يتناقز بحمله، ساعة شاف النوق طرف الوادي، ونثّر الحطب، فخُبث لهم ما طاب.

استنهض (حثران) الشيمة، لكن ما نهضت، قالوا ؛ شده وإلا بُل فوقه؛ الله لا يقيم لك حظ ؛ ولا يشد في قواك، حنيت جملك؛ وقحطت حميرنا، قحطوك لين تخرج معيانك مع كراعينك، وينهم ما خلوا الحطب، وتلازم الفقيه زفران، وحثران؛ وفك لا تفك، واشتقله حثران من سيقانه، وبرك فوقه، وإذا بحثران يطلب الفزعة؛ سألوه ؛ وشبك تطلب الفزعة وأنت فوقه؟ قال؛ خايف من الانقلابة.

صادهم الليل وهم أسفل العقبة، فانقسموا قسمين؛ اثنين باتوا؛ وثلاثة سروا، وكفوف حثران مشققة، غصبان عجن له قرص، ودفنه تحت لهب شث يابس، فيما (كيشان) انتخش عودين من الحطب، ومعه مهفته، سوى له قرص، وكل شويه يهف الجمر، فقال (حثران ) دخيلك هُفّ على قُرصي، فردّ؛ ليش في بطن إيدك حناء؛ كلًا يهفّ على قرصه.