-A +A
سلمى هوساوي
إن القوانين الكونية غير ثابتة، وتتغير بتغير الزمان والمكان، وتطور فكر الإنسان باعتباره المكون الأول للتاريخ والحضارة، إضافة إلى توفر الإمكانات والبنية التحتية الجيدة، وشخصية عظيمة توظف جميع هذه الإمكانات في موضعها الصحيح. إن فكرة الفيلسوف اليوناني أفلاطون «٤٢٧ - ٣٤٧ ق.م»، حول المدينة الفاضلة وبناء الدولة والمجتمع في كتابه «الجمهورية»، ومن بعده الفارابي، والقديس أوغسطين، وماريا برنيري، وغيرهم، ترتبط بالمساواة والعدالة؛ فالمدينة الفاضلة بمفهومها منذ آلاف السنين تعني الاهتمام بالمواطن ومعالجة جميع مشاكله؛ حتى يحصل على السعادة والرفاهية وحرية الدين والعبادة.

وفي ذات السياق، اتفق معظم الفلاسفة وبعض الكتاب على اختلاف العصور والأزمنة على أنه لا وجود للمدينة الفاضلة، وهي مجرد خيال في أذهان الفلاسفة ويصعب بلوغها.


طرح أحد الكُتاب «زياد الفيصل» في مقال له عام ٢٠١٩م سؤالاً: «هل يمكن تحقيق نموذج المدينة الفاضلة في واقع المجتمعات البشرية كما نادى بها أفلاطون؟»، وكاتب آخر «ياسر حارب» في عام ٢٠١٩م أيضاً قال: «المدينة الفاضلة ليست موجودة ولا يجب أن توجد؛ فوجودها سيلغي الرغبة في الدعوة إلى الخير»، حقيقةً ما هذه النظرة التشاؤمية؟

بعد الآلاف من السنين حلم الفلاسفة والكُتاب يتحقق؛ فالمملكة العربية السعودية في رؤيتها المباركة وما حققته من إنجازات في فترة وجيزة تعدُّ نموذجاً مثالياً لدولة العدالة والمساواة والفضيلة بمفهومها اليوم، الذي تجاوز محيط مفهوم دولة المدينة الذي ساد في العصور القديمة، حيث بحث الفلاسفة عن مدينة واحدة مثالية؛ بغاية تحقيق المساواة والعدالة للبشرية. وعلى الرغم من قيام هؤلاء الفلاسفة بالعديد من الإصلاحات، كل فيلسوف بحسب إمكانات مدينته أو دولته في حقب مختلفة، فإن تلك المحاولات لم تحقق الأهداف المنشودة.

وفي مجمل القول: إن المملكة اليوم في إصلاحاتها ومبادراتها المتنوعة، التي شملت الجوانب كافة: الاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية، والثقافية، ومحاربة الفساد والتطرف تمثل انعكاساً واضحاً لدولة مثالية فاضلة، حققت الرفاهية للمجتمع وأسست اقتصاداً متيناً، ووطدت علاقاتها الخارجية إقليمياً ودولياً، ودعت إلى التسامح الديني بين الشعوب والمجتمعات على اختلاف أديانهم ومذاهبهم. وفي ضوء ذلك، أصبحت الكفاءة والمعرفة والإنتاجية هي الأساس في بناء الدولة وتحقيق التنمية المستدامة، بعيداً عن المناطقية والقبلية والمذهبية.

من زاوية أخرى، تجاوزت إصلاحات المملكة حدودها؛ إذ متنت علاقاتها - على اختلافها وتباينها - مع دول الجوار إقليمياً، وذلك في العديد من المجالات، وتؤكد ذلك مقولة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان: «لا أريد أن أفارق الحياة قبل أن أرى الشرق الأوسط في مقدمة مصاف دول العالم».