-A +A
نجيب يماني
لا شكّ عندي على الإطلاق أنّ العالم كلّه قد أرخى السمع، وتابع باهتمام بالغ كلمة ولي العهد الأمين؛ الأمير محمّد الخير، حفظه الله، في النّسخة الثانية من قمة مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، التي احتضنتها مدينة شرم الشيخ، الأسبوع الفارط، بالتزامن مع مؤتمر (COP 27)، وذلك لأمرين أساسيين:

أولهما الموضوع المطروح للمداولة والنّقاش؛ وهو موضوع التغيير المناخي، الذي بات خطره متجاوزًا للأطر القطرية والإقليمية ليصبح خطرًا يتهدّد الجميع بلا استثناء، بما استوجب هذا الحضور الرفيع، في القمة، والقمم السابقة، وحتمًا القمم اللاحقة بإذن الله.


وثانيهما الكاريزما المهيبة للأمير محمّد بن سلمان، التي اكتسبت صيتها العالمي من واقع مطابقة القول للفعل المنجز في مواقيته المحسوبة بدقة، ووفق التخطيط المرسوم بكل عناية، ودالة ذلك في «رؤية 2030»، التي تمضي خطوات تنفيذها بنسق مضطرد، أخرس كل من كان يعتقد أنها أحلام بلا سيقان، وأمنيات بلا أجنحة.. فإذا هي اليوم واقع أذهل العالم، وعلّمه أن «المستحيل» مفردة لا يستوعبها قاموس المملكة في عهدها الزاهر؛ عهد سلمان الحزم والعزم، ومحمد الرؤية الباهرة..

لهذا كان انتظار العالم لكلمة ولي العهد، يقينًا بأنّها تحمل جديدًا يضيف، ووعدًا منجزًا، وبشارة تساعد كوكبنا في الخلاص من معضلة الاحتباس الحراري، الذي بات يمثّل هاجسًا مقلقًا، أفضى إلى تغيير النسق المناخي على نحو دراماتيكي ينذر بخطر ماحق.. فما خاب الرجاء في ولي العهد الأمين فقد جاءت كلمة سموّه الشاملة في القمة كفاء موقع المملكة الريادي، ونظير وعيها الباصر، وقرينة استشعارها لمسؤوليتها الإنسانية، بإطلاقها مبادرتي: الشرق الأوسط الأخضر، والسعودية الخضراء، والمضي في إنزالهما إلى أرض الواقع بهمّة عالية، وتخطيط مدروس، وجداول زمنية محسوبة بدقة وحرفية تامة

فالمتأمل لكلمة سموّه يجد أنّها:

أولاً: علّقت جرس الإنذار على عاتق الجميع، بلطف الإشارة إلى المتطلبات اللازم توفّرها لتحقيق الأهداف المرجوّة من مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، والمتمثلة تلخيصًا في:

- استمرار التعاون الإقليمي من قبل الدول الأعضاء للإسهام في الوصول للأهداف المناخية العالمية، وتنفيذ التزاماتها بوتيرة أسرع في إطار الاتفاقيات الدولية ذات الصلة.

- تضافر الجهود الإقليمية لخفض الانبعاثات وإزالتها بأكثر من 670 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون.

* زراعة 50 مليار شجرة وزيادة المساحة المغطاة بالأشجار إلى 12 ضعفاً، واستصلاح 200 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة مخفضة بذلك 2.5% من معدلات الانبعاثات العالمية.

وثانيًا: قدمت كشف حساب لما أنجزته المملكة ضمن مستهدفات خفض الانبعاثات على نحو عملي، بعيدًا عن التنظير، وتمثّل ذلك في:

* إطلاق المملكة مبادرة «السعودية الخضراء» لخفض الانبعاثات بأكثر من 278 مليون طن من مكافئ ثاني أكسيد الكربون بحلول 2030م، من خلال تطبيق نهج الاقتصاد الدائري للكربون.

* إطلاق منصة تعاون دولية لتطبيق هذا النهج، وصندوق استثمار إقليمي مخصص لتمويل حلول تقنيات الاقتصاد الدائري للكربون، ومبادرة حلول الوقود النظيف من أجل توفير الغذاء.

* تسريع وتيرة تطوير وتبني تقنيات ومصادر الطاقة النظيفة، المتمثلة باستخدام الطاقة المتجددة، بهدف إدارة الانبعاثات من المواد الهيدروكربونية.

* تنويع مزيج الطاقة المستخدم في توليد الكهرباء في المملكة بحيث يتم إنتاج 50% من الكهرباء داخل المملكة بالاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030م، والوصول بالتالي إلى إزالة 44 مليون طن من الانبعاثات الكربونية، أي ما يعادل 15% من إسهامات المملكة المحددة وطنياً حالياً، بحلول عام 2035م.

* تأسيس مركز إقليمي للتغير المناخي، وبرنامج إقليمي لاستمطار السحب.

* استهداف زراعة 10 مليارات شجرة، وزيادة المناطق المحمية البرية والبحرية إلى 30% من إجمالي المساحة الوطنية.

ثالثًا: اتخاذ 3 قرارات في غاية الأهمية لضمان نجاح المبادرة، والمنظورة في:

- استضافة المملكة مقر الأمانة العامة لمبادرة الشرق الأوسط الأخضر.

- والإسهام بمبلغ (2.5) مليار دولار لدعم مشاريع المبادرة وميزانية الأمانة العامة على مدى 10 سنوات.

- واستهداف صندوق الاستثمارات العامة للوصول للحياد الصفري لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول عام 2050 من خلال نهج الاقتصاد الدائري للكربون ليكون من أوائل صناديق الثروة السيادية عالمياً، والأول في منطقة الشرق الأوسط في استهداف الوصول للحياد الصفري بحلول عام 2050.

إنّ المضامين الثلاثة التي اشتملت عليها هذه الكلمة الوضيئة تحتشد في أضاميمها على إشارات بالغة العمق، يتوجّب الوقوف عندها، وإدراك عظمة المبادرتين، فتذكير الجميع بمتطلبات نجاح المبادرة لم يرافقه أي نوع من التنصّل عن المسؤولية، مما درجت عليه «الدول الكبرى» من نافذة «نظرية المؤامرة» في قذف كرة اللهب باتجاه بعضها، وتعليق أسباب تغيّر المناخ على أنشطتها المختلفة؛ بل ذهبت مباشرة إلى إيجاد الحلول بترميم المناخ ومعالجة نواتج السباق الصناعي والحاجة إلى إنتاج الطاقة دون مراعاة لأي مترتبات على ذلك، كما أن الكلمة قدمت على نحو عملي منجزات المملكة في هذا الصدد، وهي بهذا تضرب مثلاً، وتطرح نموذجًا يحتذى، حريّ بأن يؤخذ بعين الاعتبار، فما أعظمها من مبادرة للخضرة تخرج من جوف الصحراء، حيث تقلّ كل العناصر الداعمة لذلك؛ بل تكاد تكون في حكم العدم، ولكنها المملكة التي لا تعرف المستحيل، تمسك زمام المبادرة لتقود العالم إلى خلاصه عبر «الرؤية الخضراء»، ليس بالطرح فقط ولكن بالمساهمة الفاعلة، والدعم السخي، والفعل المنجز على أرض الواقع. ولعمري هذا ما يجعل لمبادرات المملكة قيمة مرعية، والتفافًا داعمًا، واحتشاداً دولياً فاعلاً ومنفعلاً. وحفظ الله وطني والقائمين عليه.