-A +A
محمد الساعد
هذه قراءة لما هو متاح ومنشور، في محاولة لفهم المشهد اللبناني عن قرب، نطرح فيها تساؤلات عن عودة فؤاد السنيورة وأمثاله مِن السياسيين المخلصين إلى رئاسة الحكومة اللبنانية، وهل هي ممكنة؟ وماذا تعني؟

عندما تتحدث مع الرئيس السنيورة يتحدث معك كرجل دولة للبنان كله لا لطائفته السنّية فقط، يتحدث كمرجعية عامة لا كسياسي انعزالي متطرف.


في مذكراته «التجربة» كتب الوزير والسفير السعودي السابق في لبنان الدكتور عبدالعزيز خوجة: أثبت الرئيس فؤاد السنيورة جدارته في إدارة البلاد، واشتهر بصبره ومثابرته وصموده ونزاهته ورباطة جأشه.

وعند اختباره مالياً تعاملت حكومته بنزاهة مطلقة وبمسؤولية مع المساعدات التي تدفقت في أعقاب حرب «يوليو - تموز» وفق مبدأين: تنفيذ المشاريع بالتفاهم مع المتبرعين، وتسليم المتضررين تعويضاتهم مباشرة بعد التحقق والتدقيق، وكان التأخر في صرف بعض التعويضات سببه الصرامة في الإجراءات. هذا التعامل لم يرضِ مليشيا «حزب الله» التي أرادت أن تدمّر لبنان وتنتفع من العذابات التي نتجت، فاتهمت حكومة السنيورة بالفساد - وما زالت - وبسرقة المساعدات على عكس الحقيقة.

وبالعودة إلى أعوام السنيورة في وزارة المالية ثم رئاسة الحكومة نلاحظ ما يلي من إنجازات:

• خلال توليه المسؤولية المالية، ساهم في تحديث القطاعات المالية والاقتصادية وإعادة بنائها بعد أن دمّرتها ويلات الحرب الأهلية، وكانت سياساته المالية والاقتصادية، كوزير تحت مظلة رئيس الوزراء حينذاك رفيق الحريري ثم كرئيس للحكومة، من أسباب استقرار العملة واعتبار لبنان بلداً جاذباً للاستثمار ورؤوس الأموال.

• حقق السنيورة مصداقية واحتراماً على المستويين الإقليمي والدولي، فعزز الاحتضان العربي والدولي للبنان بعد اغتيال رفيق الحريري، ومن دلائل ذلك نجاح مؤتمر باريس 3 الذي عرقلت نتائجه أدوات إيران اللبنانية في ما بعد.

• لم يخضع أمام حملات الإرهاب الإيراني كمحاصرة رئاسة الحكومة ومقاطعة اجتماعاتها وحملات الاغتيال المعنوي وتشويه السمعة، فصان هيبة الدولة واحترامها، وحافظ على مقام رئاسة الحكومة ودورها.

• على خطى رفيق الحريري ومدرسته القائمة على قيم العروبة ومبادئها، لم يتورط السنيورة أبداً في خطاب النعرات الطائفية ولا يزال على القيم نفسها.

• خاض تجربة شجاعة وناجحة في مكافحة الإرهاب بدحر تنظيم «فتح الإسلام».

• أقر المحكمة الدولية الخاصة رغم رفض إيران وسورية وأدواتهما في لبنان.

• كان آخر من تولى المنصب وقال (لا) لمليشيا «حزب الله» الإرهابية وللتيار العوني العنصري، وبعد ذلك هوت رئاسة الحكومة في حفرة التنازلات والصفقات والتخاذل أمام الفساد وانتهاك الدستور.

• كانت معدلات النمو خلال ترؤسه الحكومة استثنائية، وهي الفترة المثقلة بالأزمات، ومن الأمثلة على ذلك تحقيق نسبة نمو 2.7% في 2005، و1.6% في 2006. وتمكّنت حكومته من خفض العجز من 11.04% إلى 7.55%.

وحقق الاستثمار الأجنبي المباشر أرقاماً بلغت 3.38 مليار دولار عام 2007، و4.33 مليار عام 2008.

وتعذرت عودة السنيورة إلى رئاسة الحكومة بعد انتخابات 2009 لأسباب متشابكة تحالف فيها العدو ومن يعتقد أنه الصديق، وكذلك إثر فيتو إيراني سوري اقتنع به الرئيسان الأمريكي باراك أوباما والفرنسي نيكولا ساركوزي، يضاف إليه في ما بعد فيتو وضعته الطبقة السياسية، فما عدا عقلاء السنّة، فإن عملاء إيران وغيرهم لا يريدون رئيساً وطنياً للحكومة، وللأسف البعض لا يريدون انكشاف نقاط ضعفهم وانحراف سياساتهم وتخاذلها أمام الحزب الإرهابي؛ أليس ما سبق في الانتخابات الماضية كان دليلاً، كما أن الفاسدين لا يريدون رئيس حكومة يمنع فسادهم، وبلغة الأرقام والحقائق ارتفع منسوب الفساد حتى أغرق لبنان.

هل تبدو عودة السنيورة صعبة؛ لأن هناك من أدمنوا المشي في درب الآلام وإطلاق الرصاص على أقدامهم، ولأن إيران ومن والاها يريدون للبنان الزوال ولشعبه الفقر والمرض والتهجير والتشرد والجوع ومتاهة لا تنتهي، ربما لكن الأبواب جميعها مفتوحة على كل الاحتمالات.

هل نتائج الانتخابات الأخيرة أعلنت تقاعد السنيورة سياسياً؟

السنيورة باقٍ بصلابته وأدواره، مع أنه لم يواجه إيران وحدها، بل تآمر عليه آخرون من «أهل البيت»، وتلقوا توجيهات بالتصويت لخصومهم في صيدا ولأعداء لبنان في عكار، وهناك من أصدر التوجيهات في بيروت -عن جهالة على الأرجح- للتصويت للفريق الذي اغتال (رفيق الحريري).

من وجب عليهم التقاعد السياسي هم المتهمون بتفجير «مرفأ بيروت» زوار الشام وقت اغتيالات ثورة الأرز، وأما السنيورة فسيبقى من الزعماء اللبنانيين الشرفاء، والأجدى المطالبة بتقاعد عملاء إيران ورؤوس الإرهاب والفساد والعنصرية والتطرف الطائفي، حتى يعود لبنان كما كان.