-A +A
رامي الخليفة العلي
لملم شهر رمضان الكريم أوراقه الأخيرة ورحل واعداً عامة المسلمين ممن ينتظرونه بشوق كبير، لأنه شهر الخير والبركة والطاعة، بأن يعود في السنة القادمة. وكما هي العادة في كل عام، فإن الكثير ينظر للشهر الفضيل باعتباره مناسبة تسويقية يحاول استغلالها ليعرض بضاعته، وهذا ينطبق على الدراما كما ينطبق على سلع كثيرة.

منذ منتصف الخمسينات أصبح التلفزيون ضيفاً دائماً على البيوت العربية، وأصبح جزءاً من الحياة اليومية للعائلة العربية. ومنذ ذلك الحين ساد تقليد في التلفزيونات العربية وهو وضع برامج خاصة تتناسب والشهر الفضيل. عندما كان المشاهد العربي يعتمد على القنوات المحلية، والتي بكل تأكيد لم يكن يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، كانت الخطط البرامجية تتأرجح بين الدراما والمسابقات الخفيفة والبرامج الدينية، فكانت الطبيعة الخاصة للتلفزيون في رمضان أمراً مقبولاً ومستساغاً من قبل شريحة واسعة من المشاهدين، إلا أن الأمر اختلف مع بداية تسعينات القرن الماضي بعد دخول البث الفضائي حيز التنفيذ وتكاثر القنوات الفضائية كالفطر بحيث تجاوزت المئات. وأصبح تركيز هذه القنوات في رمضان على المسلسلات الدرامية بالدرجة الأولى باعتبارها مجالاً تسويقياً يجلب ملايين الدولارات. بسبب هذا الواقع التسويقي بدأت الدراما تأخذ بشروط البث التلفزيوني في شهر رمضان الكريم، فالمسلسل يجب أن يكون طويلاً بحدود 30 حلقة على الأقل حتى يتم تسويقه في هذا الشهر، حتى لو لم تحتمل الحبكة الدرامية هذا العدد الكبير من الحلقات. كما أن الشركات الإنتاجية تحرص على إصدار مسلسلاتها الجديدة في شهر رمضان، بحيث يكاد يكون من النادر أن تجد مسلسلاً يبث خارج هذا الشهر، مما أدى إلى تخمة في العرض، بحيث كثير من الأعمال الدرامية لم تجد حظها في المتابعة. الأسوأ أن المنافسة بين هذا العدد الكبير من المسلسلات بدأ يأخذ أبعاداً ومضامين تتنافى بشكل كامل مع طبيعة شهر رمضان وقدسيته، لقد سعى صنّاع الدراما إلى كسر المألوف وإحداث صدمة لدى المشاهد وتناول قضايا خلافية حتى يتم جذب المشاهد ودفعه لمتابعة هذا العمل أو ذاك. فعلى سبيل المثال أصبح شرب الخمر والمسلسلات التي تتناول الدعارة والخيانة الزوجية حالة عامة، وكذلك تصوير المشاهد في المراقص والكازينوهات.


بعيداً عن الطهرانية، وهذا له مجاله الذي يمكن الحديث فيه عن مميزات العمل الفني وما يجب أن يحتويه، ولكن الأمر يتعلق بحالة لا تتناسب مع شهر رمضان الكريم من جهة ولا تفيد صناعة الدراما من جهة أخرى. لذلك حان الوقت لفصل الدراما عن شهر رمضان الكريم؛ حفاظاً على روحانية الشهر الفضيل وقدسيته ونمط حياة العرب والمسلمين فيه، وأيضاً حفاظاً على صناعة الدراما باعتبارها فناً يصل إلى شرائح واسعة من المجتمع، فتحريره من القيود التسويقية ضرورة لتطويره ونفخ الروح فيه مرة أخرى.

ولعل هذه رسالة إلى الشبكات الكبرى والتي لها تأثيرها على هذه الصناعة مثل شبكات إم بي سي وروتانا ودبي وغيرها.