-A +A
حسين شبكشي
لم تعد مسألة زيادة الأسعار المستمرة ومعدلات التضخم المتواصلة في العالم بأسره مسألة سرية أو غامضة، فالكل أصبح يتابع هذه المسألة بشغف واهتمام، بل ويعاني منها مر المعاناة بصورة أو بأخرى شخصيا. فالارتفاع الكبير في معظم معدلات الأسعار للمواد الاستهلاكية وغير الاستهلاكية أصبح أمرا واقعيا يعيش معه العالم في مختلف المجالات، وبات يحتل عناوين الأخبار.

وعلى ما يبدو أنها مرحلة لن تكون قصيرة، وستستمر معنا بشكل مؤلم حتى نهاية العام الحالي على أقل تقدير. وبطبيعة الحال ستتأثر أساليب الصرف ووسائل السداد ونوعية المنتجات التي تقدم وجودتها وأسعارها لأن المستهلك لم يعد قادرا بالاختصار على الشراء بنفس القدر ونفس النوعية التي كانت تتمتع بها هذه الشرائح الاستهلاكية في الفترات السابقة، وعليه فإن السوق سيتغير والبضاعة ستتغير والمستهلك سيتغير.


تفاوتت معدلات الارتفاع في الأسعار ما بين 7% وصولا إلى 20% وهي نسب أقل ما يقال عنها إنها مربكة وتغير نمط الاستهلاك في معظم الشرائح الاستهلاكية، إضافة إلى ذلك الاضطراب الشديد في سلاسل الإمداد للسلع والخدمات التي يتم استيرادها من خارج أسواق البلاد، قد أدى إلى ارتفاع في الأسعار الموجودة للسلع المعروضة، ناهيك عن ارتفاع الأسعار المتوقع في السلع المنتظر وصولها. نظريا وفعليا من المتوقع أن تتغير أحجام السلع المعروضة لتصبح أصغر لأن المستهلك لم يعد قادرا على شراء العبوات والمقاسات القديمة لارتفاع أسعارها عليه، وبالتالي ستصغر الكميات المستهلكة لأن قدرة المستهلك ستتحكم في قدرة الشراء وبالتالي المعروض سيقل حجمه وسعره، وهذا سيؤثر على حصص السوق ومعدلات الاستهلاك للشركات عموما.

هذه تماما أهم الوسائل التي يلجأ إليها اليوم الاقتصاديون حول العالم لنصح الشركات الموردة والمصنعة للمواد الاستهلاكية لتجهيز نفسها أمام تغيير جذري في نمط الاستهلاك للعملاء، والسوق المحلي لن يكون غريبا عما يحدث حول العالم.

العالم مقدم على مرحلة تقشف وشد الأحزمة بامتياز والتقليل من الاستهلاك العشوائي أو غير المطلوب وتقنين أساليب الشراء بشكل جذري، وهو ما بدأ يلاحظه الكثيرون من المتابعين على نمط الاستهلاك في الأسواق المحلية والعالمية بطبيعة الحال.

غموض المرحلة التي تمر بها اقتصاديات العالم يجعل من الإجراءات التي يتم اتباعها الآن في تقليل الاستهلاك وتخفيض بنود الصرف مرحلة مهمة للتعامل مع التضخم العالمي والندرة في المواد المنتجة بسبب أزمة سلاسل الإمدادات العالمية، وهي مسألة باتت تتطلب الكثير من الوعي في أساليب التعامل ومواجهة الأزمة الاقتصادية في العالم بدلا من الإنكار والاعتقاد بأن الأمور ستظل كما هي. إنه على أقل تقدير جرس إنذار مطلوب التعامل معه بجدية.