-A +A
محمد الساعد
حجم الدعاية السلبية الغربية ضد بوتين مخيف جداً، وهي تفرض اغتيالاً معنوياً وترحيلاً لكل المشاعر السلبية والعدائية ضده مثل الكثير من الزعماء الذين وقفوا مع مصالح أمتهم، أو تصدوا للمشاريع والمخططات الغربية. وبوتين اليوم في نظر الغرب لا يختلف عن هتلر وكاسترو، وسواء كان الغرب محقاً في عدائه أم لا، لكن تلك هي أدواته عند خصومته وعدائه لأي حاكم.

ولعل أهم ما اكتشفه العالم أن ما فعله الإعلام والحكومات الغربية هي رسالة لكل البشر من غير الجنس الأبيض الأشقر الذي يضعونه في مرتبة أعلى من الجميع، تقول: لا يحق لكم أن تكونوا مستقلين، ولا يحق لكم البحث عن مصالح شعوبكم، ولا يحق لكم أن تكونوا صناعيين ولا متحضرين، ولن تكونوا غربيين مثلهم، فقط يجب عليكم أن تتبعوا تعاليمهم ومثلهم الشاذة التي يروجون لها ويعتبرونها اللغة التي يفهمونها.


من يصدق ما يسمى بالاستقلال في المنظمات المدنية الغربية والمؤسسات التجارية عليه أن يراجع عقله، فمن منصات التواصل والصحف والقنوات والشبكات التلفزيونية إلى البنوك والمؤسسات الرياضية والاجتماعية والحقوقية، كلها بكبسة زر من موظف صغير في مكتب «السي أي أي» في واشنطن قامت بإغراق الروس في الظلام دون نقاش.

فرض العزلة الدولية على بوتين وروسيا سيستمر طويلاً، ولن يقنع الغرب الجائع للمال إلا استعمار جديد لمكامن الغاز والنفط الروسية ينقذ «أوروبا العجوز» من انسدادها الاقتصادي والحضاري الذي وصلت إليه، استعمار مباشر أو بالوكالة، إما عن طريق حكومة عميلة في الكرملين، أو من خلال تفتيت روسيا وتركيعها اقتصاديا وتقسيمها لدويلات.

كل ما في الأمر أن الغرب لا يرون أنفسهم إلا آلهة، وعلى الجميع تقديم القرابين المالية والاقتصادية والطاعة العمياء، كما كان الحال مع آلهة روما القديمة، من يسير في ركابهم يغضون النظر عنه وعن عبثه وإرهابه -كما إيران وأدواته من حزب الله إلى الحوثي-، ومن يبحث عن مصالحه ومصالح أمته فلا خيار له إلا دفع فاتورة باهظة الثمن إذا لم تكن لديه أدوات التصدي، وربما لن يكون أمام الجميع إلا الاصطدام معهم أو الرضا بالتخلف التنموي والاقتصادي والعيش على هامش التاريخ.

اليوم في أوروبا يتم تحويل بوتين إلى هتلر جديد، حتى لو لم يكن هتلر، وليس لديه الرغبة بأن يكون توسعياً محتلاً كهتلر، ويتم أيضا «ألمنة» روسيا وتحويلها إلى دولة منبوذة وحصارها حتى لو لم ترغب روسيا في ذلك، وأظن أن نموذج ألمانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية هو المفضل لدى أمريكا، بل هو كل ما يسعى للوصول إليه كهنة السياسة في عواصم أوروبا؛ دولة محتلة من الداخل، مستقلة أمام العالم، محظور عليها تصنيع الأسلحة أو إنشاء الجيوش، وعليها ترحيل جيشها وتفكيك منظومة الأسلحة التي تمتلكها، وأن تسير في الفلك الغربي، بمعنى آخر «تسمع الكلام».

هل سيقبل بوتين وخلفه أمته الروسية هذا النموذج، بالطبع لا! فقد أرسل رسائله للعالم؛ إما أن تكون روسيا موجودة وقوية وقوة عظمى يحسب حسابها وتؤخذ إرادتها ومشيئتها على محمل الجد، أو يهدم المعبد فوق رؤوس الجميع، وعلى العالم الغربي أن يدفع الثمن بالشراكة مع روسيا، ولن تدفع موسكو لوحدها فاتورة غنى ورقي وتمكين وسيادة الغرب على العالم.