-A +A
محمد الساعد
أعلن الرئيس فؤاد السنيورة مؤخرا، خلال مؤتمره الصحافي الأخير، أنه يدرس اقتحام الانتخابات النيابية اللبنانية المقبلة، وقدم رؤية سياسية محترمة تصلح لأن تكون برنامجا وطنيا يلبي احتياجات المرحلة قبل أن تكون برنامجا انتخابيا أو وثيقة حزبية.

بيان السنيورة الأخير فرصة حقيقية للبنان وشعبه للخروج من الأزمات الخانقة والمآزق الضاغطة، فهل يتلقف اللبنانيون حبل الخلاص؟


ظهرت بصيرة السنيورة في السنوات الأخيرة في مواقف متعددة دفع ثمنها اللبنانيون في ما بعد، منها:

١- في 2017 رفض السنيورة زيادات سلسلة الرتب والرواتب، التي ساهم إقرارها لاحقا في الأزمة المالية اللبنانية.

٢- رفض انتخاب الجنرال ميشال عون لرئاسة الجمهورية، وقد ثبت أن هذا الانتخاب كان وبالا على لبنان.

٣- رفض قانون الانتخابات الجديد، الذي أدى إقراره إلى إعطاء الأغلبية البرلمانية لمليشيا حزب الله الإرهابية وحلفائها.

٤- رفض إعطاء مليشيا حزب الله وحلفائها الثلث المعطل بعد حرب تموز ٢٠٠٦، وكل يوم تثبت صحة هذا الموقف.

٥- اتخذت حكومته قرارين تاريخيين حاولا تفكيك شبكة الاتصالات السلكية اللاشرعية واللاقانونية للمليشيا وإنهاء نفوذها في مطار بيروت، ولو تم تطبيق القرارين لكان لبنان - بلا شك - أكثر استقرارا وازدهارا.

بعد كل ذلك، حين يقول السنيورة لا بد من مواجهة إيران، ولا بد من المشاركة الكثيفة في الانتخابات لعدم إخلاء الساحة لمليشيا حزب الله، ولا بد من الحذر من مصير سنة العراق، ولا بد من تطبيق القرارات الدولية، ولا بد من العمل على استعادة سيادة الدولة وسيادة الدستور، فعلى الجميع أن يفهم مقصده.

وقبل ذلك للسنيورة إنجازات مهمة يمكن البناء عليها من أجل المستقبل:

١- خلال توليه رئاسة الحكومة (٢٠٠٥ - ٢٠٠٩) شهد الاقتصاد اللبناني أعلى معدلات النمو والتدفقات النقدية رغم كل الأعاصير، وتم ضبط عجز الموازنة، وهذا مؤشر على كفاءة الأداء وجودة المعايير التي تأتي الشفافية في صدارتها.

٢- رغم الاعتراضات الخشنة لمليشيا حزب الله: حارب تنظيم فتح الإسلام الإرهابي، وتمكنت حكومته من إقرار المحكمة الدولية.

٣- رغم محاولة مليشيا حزب الله الاستيلاء على المساعدات الدولية التي تلت حرب ٢٠٠٦ بتشويه سمعة الحكومة في صرف المساعدات، قامت حكومة السنيورة - في زمن قياسي - بإعادة الإعمار وتوزيع التعويضات بنزاهة صارمة وبكفاءة عالية، وذلك بشهادة الدول المانحة رسمياً.

٤- حقق السنيورة كشخص وكحكومة مصداقية عالية واحتراما ملموسا على المستويين الإقليمي والدولي، فعزز ذلك الاحتضان العربي والدولي للبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ومن دلائل ذلك نجاح مؤتمر باريس 3 الذي عرقلت مفاعيله أدوات إيران اللبنانية في ما بعد.

٥- لم يخضع أمام حملات الإرهاب الإيراني كمحاصرة رئاسة الحكومة ومقاطعة اجتماعاتها وحملات الاغتيال وتشويه السمعة، فصان هيبة الدولة واحترامها، وحافظ على مقام رئاسة الحكومة ودورها.

٦- وقبل ذلك، خلاله توليه المسؤولية المالية، ساهم في تحديث القطاعات المالية والاقتصادية وإعادة بنائها بعد أن دمرتها ويلات الحرب الأهلية. وكانت سياساته المالية والاقتصادية، كوزير تحت مظلة الرئيس رفيق الحريري ثم كرئيس للحكومة، من أسباب استقرار العملة واعتبار لبنان بلدا جاذبا للاستثمار ولرؤوس الأموال.

٧- على خطى الشهيد رفيق الحريري ومدرسته القائمة على قيم العروبة ومبادئها، لم يتورط السنيورة أبدا في خطاب النعرات الطائفية، وهذا مكسب كبير في هذه اللحظات الشائكة التي لا ينهض إليها إلا رجال الدولة الذين يريدون الانتصار وتحقيق المكاسب للدولة وليس لشخص أو طائفة أو حزب.

بعد خروجه من رئاسة الحكومة ثم الندوة البرلمانية تعرض السنيورة لحملات تشويه رهيبة - قامت على التضليل والتزوير والتلفيق والافتراء - من الأصدقاء والأعداء على السواء، سببها سلامة موقفه وصلابته، وتمسكه بعروبة لبنان واستقلاله، ورغبة البعض في رئاسة حكومة ضعيفة ودولة أضعف، وكل ذلك لأسباب طائفية وسياسية وشخصية وعقائدية، فبعض أمراء الطوائف لا يريدون رئيسا قويا للحكومة كي يعبثوا بالدستور ويبتلعوا الدولة، وبعض ساسة السنة لا يريدون السنيورة كي لا تنكشف نقاط ضعفهم أو حتى يستمر اعتقاد الناس بأن الإحباط قدرهم، وأتباع إيران لا يريدون من قال لهم «لا» لفظا وفعلا ووجه لهم الضربة تلو الضربة، ومتطرفو اليسار لا يريدونه اعتراضا على الليبرالية الاقتصادية التي تعد من صميم هوية لبنان، والفاسدون لا يريدونه كي يزدهر فسادهم كما حصل بعده بالفعل، وهذه من عجائب لبنان، أن يقوم اللصوص والقتلة باتهام الشرفاء وإدانتهم كما فعلوا من قبل مع رفيق الحريري، لذلك أتوقع أن تزيد حملاتهم ومؤامراتهم وترتفع صرخاتهم في المدى الراهن.

بعد انتخابات ٢٠٠٩ اللبنانية، اعتمد الرئيس الأمريكي باراك أوباما والرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي مقاربة جديدة في التعامل مع إيران وأدواتها في الشرق الأوسط، وكان شرط إيران وأدواتها (وعلى رأسها بشار الأسد ومليشيا حزب الله) للانخراط في هذه المقاربة في شقها اللبناني أن لا يعود السنيورة إلى رئاسة الحكومة، والقاعدة الذهبية في مثل هذه المسائل تقول: حين تعلن إيران الحرب على رجل، فهذا يعني أن هذا الرجل يستحق المؤازرة والتقدير لأنه يسير في الاتجاه الصحيح.