أصعب ما يمكن للحر أن يعانيه هو أن يحمل في جوفه قلبين، وأن يفصح عن مكامن أحدهما بلسانه بكلماتٍ معدوداتٍ محسوبات، وهو في آنٍ معاً تكاد عيناه من سيل البوح وزحمة اللغة الأخرى تصرخان بلا صوت..
وأسهل ما يمكن لبشرٍ فعله هو أن ينصِّب نفسه قاضياً ليرمي بالأحكام على تصرفات الآخرين وكلماتهم وطهارة مشاعرهم، أو يستصغر شغفهم ويسطِّح أموراً تمس قيعان أرواحهم..
أن يطلق أحكاماً على نزاهة أفكارهم لمجرد أنهم يحملون عقولاً خارجة عن المألوف لا تعرف حداً لخيالاتها ولا يتسع المدى لتصوراتها..
إن في جوفي كل ليلة حرباً ضروساً تدور ولا يُسمع منها إلا حسيس كنغمات سياط تجلد ظهر الصمت..
حرباً تدور بين كل المتناقضات التي تساورني.. براكين سخط وينابيع حب وآباراً من الغضب المظلم الذي أُلقِيَت دلاؤه بداخلها منذ أمدٍ بعيد دون أن يجذب حبالها ظامئ واحد يمكنه أن يرتوي من علقم وجعي بلا شكوى أو أنين..
إن للألم الروحي سكرات لا ينطق فيها الكاتب عن الهوى، إنما تتجلى قدرته اللغوية في وصف ما يشعر به، وكأن هناك من يسرد عليه القصص ليقصه والشعر لينظمه..
قد آن الأوان لأهد معبد الوجل على أصنام المتربصين - بليني وبوحي وكلمي وضحكي وبكائي - بقلوبٍ كالحجر..
وما ذنبي أني خُلِقت أحمل قلباً كجنةٍ ترفرف عصافيرها حباً وفرحاً وحناناً داخل قفصٍ من ضلوع إن كادت لضيقها لتفتك بي مع كل تنهيدة ؟!..
آن الأوان كي أُطلِق جواري الكلمات الراقدات في حرملك الخوف، وأن أحرر قيودهن ليعاودن التمايل على السطور وقد خضبن الورق بدماء الحبر النازف من جراحات الأغلال التي قيدتهن عمراً خوفاً من الأسئلة التي أعلم أني لن أجد لها جواباً واحداً يقنع المسربلين بحلل المنطق الوارثين لقوالب المفروض..
آن الأوان أن أعيد شرف الفروسية لهذا القلم الذي يمتطي أناملي بعد أن بقي زمناً كفارسٍ سُلِب شرف الكتابة وقد جُرِّد من سيف الكلمات الضاربات على أعناق الزيف..
من يعرف أن للكتابة سحراً هو فقط من يمكنه أن يعذر الهائمين في ملكوتها أمثالي.. المتمردين على الصمت دون أن تنطق أفواههم بكلمة !
ولا أعلم إذا ما كان فعل الكتابة هذا ميلاداً أم انتحاراً؟!
كل ما أعرفه أني اكتفيت من فعل الوأد..
وأني سأبدأ عصراً جديداً من البوح بكلماتٍ لا تعرف إلا حياةً تسر الصديق أو.. مماتاً يغيظ العِدا..
* موت وميلاد:
وما من كاتب إلا سيفنى..
ويبقي الدهر ما كتبت يداه..
فلا تكتب بخطك غير شيءٍ
يسرك في القيامة أن تراه.
الشاعر/ أمين الجندي
وأسهل ما يمكن لبشرٍ فعله هو أن ينصِّب نفسه قاضياً ليرمي بالأحكام على تصرفات الآخرين وكلماتهم وطهارة مشاعرهم، أو يستصغر شغفهم ويسطِّح أموراً تمس قيعان أرواحهم..
أن يطلق أحكاماً على نزاهة أفكارهم لمجرد أنهم يحملون عقولاً خارجة عن المألوف لا تعرف حداً لخيالاتها ولا يتسع المدى لتصوراتها..
إن في جوفي كل ليلة حرباً ضروساً تدور ولا يُسمع منها إلا حسيس كنغمات سياط تجلد ظهر الصمت..
حرباً تدور بين كل المتناقضات التي تساورني.. براكين سخط وينابيع حب وآباراً من الغضب المظلم الذي أُلقِيَت دلاؤه بداخلها منذ أمدٍ بعيد دون أن يجذب حبالها ظامئ واحد يمكنه أن يرتوي من علقم وجعي بلا شكوى أو أنين..
إن للألم الروحي سكرات لا ينطق فيها الكاتب عن الهوى، إنما تتجلى قدرته اللغوية في وصف ما يشعر به، وكأن هناك من يسرد عليه القصص ليقصه والشعر لينظمه..
قد آن الأوان لأهد معبد الوجل على أصنام المتربصين - بليني وبوحي وكلمي وضحكي وبكائي - بقلوبٍ كالحجر..
وما ذنبي أني خُلِقت أحمل قلباً كجنةٍ ترفرف عصافيرها حباً وفرحاً وحناناً داخل قفصٍ من ضلوع إن كادت لضيقها لتفتك بي مع كل تنهيدة ؟!..
آن الأوان كي أُطلِق جواري الكلمات الراقدات في حرملك الخوف، وأن أحرر قيودهن ليعاودن التمايل على السطور وقد خضبن الورق بدماء الحبر النازف من جراحات الأغلال التي قيدتهن عمراً خوفاً من الأسئلة التي أعلم أني لن أجد لها جواباً واحداً يقنع المسربلين بحلل المنطق الوارثين لقوالب المفروض..
آن الأوان أن أعيد شرف الفروسية لهذا القلم الذي يمتطي أناملي بعد أن بقي زمناً كفارسٍ سُلِب شرف الكتابة وقد جُرِّد من سيف الكلمات الضاربات على أعناق الزيف..
من يعرف أن للكتابة سحراً هو فقط من يمكنه أن يعذر الهائمين في ملكوتها أمثالي.. المتمردين على الصمت دون أن تنطق أفواههم بكلمة !
ولا أعلم إذا ما كان فعل الكتابة هذا ميلاداً أم انتحاراً؟!
كل ما أعرفه أني اكتفيت من فعل الوأد..
وأني سأبدأ عصراً جديداً من البوح بكلماتٍ لا تعرف إلا حياةً تسر الصديق أو.. مماتاً يغيظ العِدا..
* موت وميلاد:
وما من كاتب إلا سيفنى..
ويبقي الدهر ما كتبت يداه..
فلا تكتب بخطك غير شيءٍ
يسرك في القيامة أن تراه.
الشاعر/ أمين الجندي