-A +A
منى العتيبي
في مآثر الكتب العربية ومنابر الخطباء وحكايات مجالس الآباء والأجداد قصص عديدة عن حسن الكلام وفنون التعبير وبلاغة الرد تعلمنا الكلام وتدلنا على أساليبه وأنماطه، وجميعها بشكل ضمني أو ظاهري تهذب الكلام على ألسنتنا، وتدعونا إلى التفنن بالمنطوق، وفهم المسكوت عنه، ولم تشر إلى ضرورة الصمت إلا في مواطن الحكمة.

درسنا في مناهجنا مادة اسمها «التعبير» وما زلنا ندرسها.. كل هذا يؤكد أن الأصل هو الكلام وليس الصمت.


أقول ذلك بعدما كثر الكلام عن ضرورة الصمت وكأنه الأصل والكلام هو الفرع، وتمرير ذلك في وصايا ممن يتصدرون منصات التواصل الاجتماعي وعلم الاجتماع وقضايا الأسرة.

هناك رسائل تُمرر إلى أبنائنا بضرورة الصمت، مثل ‏قولهم: «كن صامتًا تكن آمنًا، الصمت أبدًا لا يخون»، هذه العبارة تطلق هكذا دون ذكر موطنها وحاجتها ومدلولها حيث يفهم الأبناء منها أن الصمت الدائم هو الأصل، ولكم أن تتخيلوا كيف سيكون وضع هذا على الابن الذي يمتثل ذلك ويلتزم الصمت مع أسرته ولا يعبر عما يدور في خلده، ويقطع حبال وصله مع أقرانه ومع مدرسته، ولا يسجل موقفًا تعبيريًا عمّا يضايقه أو يسعده، ويتوارى عن إبداء رأيه واختياراته الحياتية لمجرد أنه اختار الصمت الذي لا يخون!

ولنا أن نتخيل أيضًا كيف سيكون تأثير الصمت في ميادين العمل حين ينقطع الكلام بين الموظف ومديره، حين يعتبر كلٌّ منهما أن الصمت أجدر وأنفع، بينما الأنفع هو الكلام الذي سيحل مشكلة، سيقدم فكرة، سيطور ويقود العمل نحو الجديد.

من أجل هذا تمرير الرسائل نحو ضرورة الصمت لا بد أن يأتي مقرونًا بمواطنه التي تستدعي الحكمة، وليس بالصورة السلبية المتداولة التي تطالب بالصمت الدائم.

ومن مواطن الصمت الحكيم مثلما قال الشاعر:

يخاطبني السفيه بكل قبح

فأكره أن أكون له مجيبا

يزيد سفاهة فأزيد حلما

كعود زاده الإحراق طيبا