-A +A
محمد الساعد
أكثر من أربعة عقود على تجربة مهاتير محمد الاقتصادية في ماليزيا، وأكثر من عقدين على تجربة أردوغان في تركيا.. وصفت ماليزيا بأنها نمر اقتصادي في شرق آسيا، وتركيا كنمر لغرب آسيا.. أو كما كان يحلو للمحللين الاقتصاديين من أنصاف وأخماس المتعلمين وخريجي دكاكين الإخوان.

ولترسيخ قيمتهما كملهمين في العالم الإسلامي -ولو زوراً- ادعت الآلة الإعلامية للإخوان أنهما يتعرضان لمؤامرة كونية وأن هناك من يريد إغراق بلادهما في الديون والتأخر الاقتصادي، وأن الغرب ينام ويصحو وهو يفكر فيهما وكيف يعيق تقدمهما، ألم تسمعوا كل ذلك الهراء الإخواني في كل وقت.


كانت معضلة الإخوان الأبدية وما زالت أنهم لم يجدوا مثالا يسوقونه للفضاء العربي والإسلامي، وتجربتهم في عمر البشير ومرسي والغنوشي خير مثال، ولذلك تسلقوا على أكتاف ماليزيا وتركيا الدولتين الأكبر من الإخوان ومن أردوغان ومهاتير مجتمعين.

عقود طويلة من حكم الإخوان المسلمين لبلدين كبيرين، وصلت في مجموعها ستة عقود، فهل كان ذلك كافيا للحكم عليهم بالنجاح أو الفشل.. بالتأكيد كان كافيا فلا ماليزيا تحولت إلى كوريا أخرى، ولا تركيا خلقت معجزة ألمانيا الصناعية، لقد تقدمت ماليزيا جزئيا بفضل التحاقها بنمور آسيا شرقا، وتطورت تركيا بسبب مجاراتها للأنظمة الأوروبية خلال محاولاتها الانضمام للاتحاد الأوروبي.

بلا شك البلدان الإسلاميان لديهما مخزون سكاني هائل، ومقومات اقتصادية كبيرة وموقع جغرافي مميز، وتلقيا دعما كبيرا من مختلف القوى الدولية فهل استثمرتاه جيداً، أقصد هل استثمر الإخوان ذلك الدعم.

لقد حكم مهاتير وأردوغان بلديهما منفردين، بل وغيرا الدساتير ليخولاهما حكما مطلقا دون أي مشاركات، ودون أن يكون في فضائهما أي معرقل لمشاريعهما التي كانت في غالبيتها مجرد دعاية سياسية وبرامج اقتصادية مؤقتة سوّقتها الآلة الإعلامية الإخوانية بالتخادم مع الآلة الغربية، وبيعهما بعد ذلك في سوق الشعوب على أنهما أيقونات الحكم الإسلامي ونماذج للعدالة والحكم الرشيد فهل كان ذلك صحيحا؟

بالطبع لا.. فمهاتير استفاد من تحول الصناعات الغربية إلى الصين والدول المحيطة بداية 1980، لكن تلك الطفرة المعزولة سرعان ما ذوت تحت وطأة فساد التنظيم الدولي وسيطرته على حكم ماليزيا، كذلك انغماس قادة التنظيم في كوالالمبور بالملذات، لقد اتهم مهاتير محمد شريكه أنور محمد بتهم قاسية من ضمنها تهم جنسية لا يمكن قبولها في مجتمع إسلامي محافظ، وحولته للمحاكمة والسجن.

في تركيا استخدم أردوغان نفس المنفيستو، انفرد بالسلطة وانقلب على شركائه وأعوانه، ودفع بأقربائه وأصهاره للواجهة المالية وقرارات الاقتصاد، لتتحول تركيا من بلد صاعد إلى بلد هابط اقتصاديا ومكبل سياسيا، وها هي الليرة التركية تتهاوى بسبب السياسات المتهورة، وحقوق الدائنين تهدد أنقرة كما هددت إسطنبول قبل مئة عام، إنها دورة التاريخ ومتلازمة الغرور والأيديولوجيا التي تصفي كل من ينخرط فيها.

اليوم هناك تجربة ثالثة واعدة.. إنها التجربة الاقتصادية السعودية – المتجردة من الأيديولوجيا- رؤية إنسانية سعودية تنظر للعالم بعيون عربية وإسلامية، لقد طبقت الرياض إجراءات اقتصادية واجتماعية عميقة، متحولة من اقتصاد ريعي بطيء الحركة إلى اقتصاد مختلط يصنع محركات اقتصادية مستدامة ومتزامنة وخلاقة، مع الاستفادة القصوى من الفرص والإمكانات المتاحة التي كانت مهملة أو مؤجلة ذات يوم، هذه التجربة واعدة وجديدة على هذه المنطقة من العالم، التي عانت بما فيه الكفاية من إراقة الدماء والدمار والتأخر.

الجديد في التجربة السعودية أنها هي من سعت وهي طلبت ممن يريد الالتحاق بقطارها أن يصعد معها نحو المستقبل، وهذه هي فرادة التجربة السعودية غير الإنانية، خاصة أن هناك من يخشى بروزها اقتصاديا وعلميا واجتماعيا، ومن يعي تماما أنه إذا أضاءات الرياض وصل نورها إلى كوالالمبور شرقا، وغطت على إسطنبول والشرق الأوسط غربا، ولذلك نرى أن العداء للرياض ومشاريعها الداخلية هو في أساسه عداء لفكرة النهوض في حد ذاتها، فلو كانت فاشلة -كما يدعون- لماذا لا يتركونها تحرق نفسها ولماذا يحاولون تدميرها.

إنه قدر الرياض الذي يتمناه أعداؤها لها بأن تبقى أسيرة لبراميل البترول وحصص الإنتاج وعالة على حياة وصناعات الغرب والشرق، وكأن مشروع النهضة العربي الذي وئد للأسف على أيدي العثمانيين قبل 300 عام في الدرعية قد بعث على أيدي السعوديين من جديد، من الرياض والقدية ونيوم والبحر الأحمر والسودة والباحة والجوف وجازان.