-A +A
محمد الساعد
كان أكثر ما يقوله منتقدو الثورة الشعبية المصرية على الإخوان 2013: إنها أعادت «العسكر» من الباب الواسع، بالرغم من أن مصر أتبعت أساليب ديموقراطية في انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسي، الذي استجاب هو وجيشه لصوت الشعب المصري بعدما اختطف الحزب الإخونجي احتجاجات 2011 واختصرها في كوادره وأيديولوجيته وعلاقاته.

ولا أعرف إذا كان لقب عسكري في الوجدان المصري يثير الحساسية التي يروجها الإخوان ويحاولون اغتيالها، فالمصريون كلهم عسكر أو مجندون أو منخرطون في العمل المباشر، وفي كل بيت مصري جندي أو شهيد شارك في الدفاع عن بلاده، لقد وصل الإخوان إلى محاولة هدم الجيش نفسه لأنه لم يتحول إلى جسر يعبرون من فوقه نحو استبداد السلطة وحكم المرشد كما إيران اليوم.


وإذا قلنا إن السيسي القادم من المؤسسة العسكرية فاجأ المصريين فإننا لا نبالغ أنه فاجأ العالم أيضا، الذي راقب أداءه عن كثب في محاولة لإيجاد فرصة ضده وضد مصر، لكن المشير الذي خلع بدلته العسكرية إيمانا بأن مكانها ساحات القتال، استخدم نهجا مدنيا في حكمه لمصر ولم يعسكرها كما تمنى منتقدوه، وأضحى هو باني مصر الحديثة، هل تذكرون المثل المصري الشهير، «اللي بنى في الأصل كان حلواني»، تعبيرا عن خفة ظل المصريين وحلاوة معشرهم، ومصر المستقبل ستكون قوة اقتصادية كبرى في المنطقة، ونقطة ارتكاز دولية ليس منة من الغرب بل بيد بانيها الجديد.

ففي خلال الثلاثين سنة من حكم الرئيس محمد حسني مبارك، كانت مصر تعيش بين ثلاث قوى متصارعة لا سَيد فيها، ونتيجة لتلك الصراعات ضاعت حياة المصريين الغلابة، «الجنرالات المتقاعدين، والإخوان، ورجال الأعمال»، وكانت النتيجة تعثر تنمية مصر وتأخرها عقودا طويلة، هذا لا يطعن في وطنية مبارك ولا عروبته ولا تصديه لمحاولات التغول الإسرائيلي والأمريكي وفرض هيمنتهم في المنطقة العربية، لكن رؤيته السياسية شيء والاقتصاد شيء آخر.

جاء السيسي ومصر مثقلة بفواتير التنمية المهملة، والاقتصاد المتعثر والجنيه المتهاوي، ونظر إليها نظرة اقتصادية وبرؤية ملهمة، فخلال أقل من عشرة أعوام على توليه مقاليد الحكم في بلده أضحت مصر اليوم الاقتصاد الثالث في المنطقة العربية بعد السعودية والإمارات، والرابع في الشرق الأوسط، والثاني في معدلات النمو بعد الصين خلال جائحة كورونا.

مدنية السيسي اعتمدت على إرث مصري هائل يمتد إلى 7000 سنة من الحضارة الفرعونية إلى العربية وما بينهما من مزيج أخرج لنا «المصري» بكل عفويته وطيبته وتفانيه في بناء أرضه.

قرر السيسي أن أفضل علاج لاقتصاد بلاده هو ضخ الأموال في البنية التحتية من أجل خلق دورة اقتصادية كاملة، وتوليد ملايين من فرص العمل، وإعادة رسم المحافظات والأقاليم معتمدا على معادلة تقول: لكل إقليم إطلالة بحرية على البحر الأحمر أو الأبيض المتوسط، ونهرية على النيل وخطوط مواصلات سريعة وضخمة.

كما أعاد تخطيط المدن في الداخل خاصة العاصمة القاهرة، والخروج من زحمتها الخانقة إلى فضاء عاصمة إدارية جديدة تبتعد عن صخب الإدارة في القاهرة العتيقة، كما منح الفقراء والمسحوقين الذين يزيدون على 70 مليون مصري حق الحياة الآدمية، بتملك العقارات بمبالغ رمزية وتقسيط على أكثر من عقدين، أما متناهي الفقراء وهم من يعيشون في المقابر والعشوائيات فقد بنيت لهم مساكن حديثة مجانية تم تأثيثها وتجهيزها لحياة لائقة.

على الصعيد السياسي لم يغتر السيسي بالمجتمع الدولي وأدار الأزمات التي ورثها في ليبيا وإثيوبيا وغزة كجراح بارع محافظا على قدرات بلاده وأمن حدوده ووجوده على الأرض دون إطلاق رصاصة واحدة، وبالرغم من الانحياز الدولي ضد حقوق مصر إلا أن الفريق السياسي المصري استطاع تحقيق المكاسب السياسية عبر سياسة هادئة وتحالفات مع اليونان وقبرص ومالطا والسعودية.

الرئيس السيسي صاحب رؤية استراتيجية وليس رئيسا عاديا، وسيذكره المصريون كثيرا رغم كل حملات التشويه والاغتيال المعنوي التي يشنها عليه الإخوان وقوى معادية لبلاده، وهذا هو قدر صانعي التاريخ وباني الأوطان وأصحاب الرؤية في كل مكان.