-A +A
محمد الساعد
لم يُعرف «السعوديون» كخليجيين إلا بعد العام 1980 مـ، تاريخ إنشاء مجلس التعاون الخليجي، وهو المجلس الذي أسس في ظروف استثنائية لمواجهة التغيرات السريعة والخطيرة اجتاحت الإقليم بشكل مفاجئ، وانتهت بانتهاء أسبابها، عندما شهدت المنطقة ثلاثة حوادث كبرى في العام 1979 مـ، إذ احتل الاتحاد السوفييتي العاصمة الأفغانية كابل، وأصبح أقرب من أي وقت مضى إلى مكامن النفط على السواحل الخليجية، وانقلب صدام حسين على الرئيس حسن البكر مستوليا على رئاسة العراق، وكذلك أطاح الخميني بالشاه وارثا أحلام الإمبراطورية الفارسية، يا لهذه السنة الكبيسة التي لها ما بعدها من أحداث وتطورات جسام.

تتمركز السعودية في وسط العالم تقريبا، مع إطلالة واسعة على أفريقيا غربا، وفارس والهند والباكستان شرقا، والأتراك شمالا، وجنوبا بحر العرب والمحيط الهندي، إضافة إلى قربها من ثلاثة مضايق «المندب، وعدن، والسويس».


هذا الموقع الجغرافي والمساحة الشاسعة والثروات المتنوعة مع شعب متعلم طموح وإنجازات تنموية لافتة، ونظام إداري حديث مواكب للتكنولوجيا بل ومتفوق فيها، وعضوية في أهم وأكبر الاقتصادات في العالم، وعلى عاتقها ملفات وقضايا لو تركتها أو تغافلت عنها لانهار الإقليم، ولنا في لبنان مثال.

إذن ليس من المنطقي اختصار السعودية في ساحل الخليج العربي الذي لا يمثل 10% من إجمالي شواطئ وحدود المملكة، وليس من المنطقي أن نغوص في خلافات بينية وقضايا صغيرة لا وزن لها في السياسة الدولية.

السعودية أكبر بكثير من هذا الاختصار المجحف في مكانتها الجغرافية والاقتصادية وإرثها الكبير المدهش والملفت، قد يكون من الضروري أن يكون هناك تجمع اقتصادي بين دول تتشارك أو تتشابه في بعض اهتماماتها الاقتصادية والاجتماعية، لكن أن تبقى أسيرة لأمواج الخليج وتقلباته وأهوائه ومصالحه التكتيكية، فقد ضيّقنا واسعا جدا.

السؤال يفتح تساؤلات أخرى، هل نحن جزء من الأمة العربية بمفهومها القومي الحديث الذي نشأ قبل مائة عام، وتطور في شكله الناصري والبعثي وحتى الاشتراكي والشيوعي واليساري، مشكّلا حجر عثرة وكتلة صخرية ارتمت فوق صدر العرب وفتتت قوميتهم وشلت إمكاناتهم، والعروبة هنا ليست بمعنى الجذر والنسب، فهذا أمر لا شك فيه، بل إن القبائل السعودية هي العربية الخالصة، ولم يتم احتلالها ولم تؤثر في ثقافتها أمة أخرى.

«مدعين العروبة» هم من اختاروا معاداتنا، ليس لسبب إلا لأننا حافظنا على ملكيتنا التي أحببناها واحبتنا ولم نستجب لدعاة الانقلابات والدروشة، ولأننا اكتشفنا النفط الذي حوّلناه إلى نعمة، وحوله الحساد إلى لعنة تطاردنا في كل مكان، غصت به حلوقهم، وامتلأت أنفسهم حسرة منه.

بعض العرب لا يتذكروننا إلا بعد وقوع الكوارث والنكسات التي صنعوها بأيديهم من 67 وحتى حرب غزة قبل شهرين 2021 مـ، أما خلاف ذلك فنحن مجرد قبائل بدوية تعيش في الجزيرة العربية المتصحرة، جنوب الهلال الخصيب وشرق وادي النيل.

العروبة بمفهومها الأموي التي أجلت العرب وأعطتهم مكانتهم الحقيقية بين الأمم، اختفت مع تتريك وفرسنة الحكم على أيدي الخلفاء العباسيين، وامتد ذلك إلى الدولة العثمانية التي رسخت العنصرية والتتريك، ولم تبن حجرا ولم تبذل دينارا واحدا داخل الجزيرة العربية.

لقد أهملوا أجدادنا وأراضينا ألفا وأربعمائة عام، عشنا فقراء كادحين متعففين لم نطلب قرشا ولم نطالب من أحد أن يقاتل بدلا عنا، ويريدوننا اليوم أن ندفع فواتير إخفاقاتهم ونكباتهم وسوء إدارتهم لثرواتهم وبلدانهم تحت اسم العروبة.

في ظني أن السعوديين الذين تشكلت دولتهم الأولى قبل 300 عام، واستمروا في بناء وطنهم وترسيخ عقد اجتماعي ديني حقيقي أعطى آل سعود الكرام الملك، واستقرت دولتهم على الأمن والأمان والتنمية، أضحوا اليوم أمة سعودية متفردة ومتميزة ولديها صفاتها الخاصة، سعوديين عربا ذوي هوية مسلمة، لكنهم بالتأكيد ليسوا مختصرين في هوية ساحلية قلبها في لندن وواشنطن وطهران وأنقرة وسيفها عليك، ولا نزوات مختطفي العروبة من فلول القوميين واليسار والبعث من صعدة جنوبا إلى غزة والضاحية شمالا.