-A +A
أنمار مطاوع
«من النادر جدا.. أن تجد إدارة موارد بشرية تقوم بعملها كما يجب؛ أو على الأقل تُعطى الفرصة لتقوم بعملها كما يجب». هذه العبارة ليست غريبة وليست غير مألوفة لمتخصصي الموارد البشرية.. وكل منهم لن يتردد في وضع علامة (صح) بعد نهاية الجملة.

قصة الموارد البشرية بدأت منذ 1901 عندما كان مسماها: إدارة شؤون الموظفين؛ وكانت تهتم بالتوظيف. ثم توسّعت لتشمل الانضباط، وحفظ سجلات الموظفين، والتعامل مع الشكاوى، وتأهيل المديرين، والعمل ضمن الأنظمة والقوانين..


في السنوات العشر الأخيرة تطورت الموارد البشرية بقفزات متسارعة جدا -في ظل الركود الاقتصادي- فأصبحت تضم ثلاثة عناصر أساسية: صناعة ثقافة المنشأة على المدى الطويل، وآليات صناعة الموظفين الجيدين، والحفاظ عليهم.

يقول أحد مديري الموارد البشرية؛ ممن يعرفون مطالب المرحلة: «الموارد البشرية التي يُفترض أن تكون عصب المنشأة وحجر زاويتها ومحرّك مفاصلها.. تُعامل -للأسف- معاملة الأقسام المساندة، ولا تجد سوى فتات الاهتمام والصلاحيات لتقوم بعملها كما يجب».

«.. معظم المنشآت لا تعي دور الموارد البشرية.. تعتقد أنها مجرد أنياب تُخيف بها كل موظف تسوّل له نفسه الخروج عن النص المكتوب له. كان يُطلب منا -من أعلى جهة في المنشأة- أن نقوم بثلاث مهمات إضافة إلى مهماتنا الأساسية؛ أولاً: أن نكون مرجعا قانونيا لآليات تسريح الموظف دون أن يترتب على الشركة أي مسؤولية نظامية، ثانياً: أن نكون أداة حادة الأطراف يستخدمها المديرون لتأديب أي موظف أو موظفة لا يروقون لهم، ثالثا: أن نكون مأموري خصم من الرواتب لأي صغيرة أو كبيرة. في النهاية، حقيقة، نحن إدارة مهمّشة لا تعرف الإدارة العليا ما هو الدور المهم الذي يمكننا أن نقوم به». هذا منطقي إذا كانت المنشأة ترى أن الموارد البشرية (إدارة مساندة) -هامشية- ليس لها علاقة بما هو موجود في الخطط الإستراتيجية؛ وربما بقليل من المبالغة يمكن القول: تراها إدارة لا ضرورة لها.. ومن الممكن تماماً العمل بدونها.. أو إعادتها لنشأتها الأولى: إدارة شؤون موظفين.

تأكيدا لكلام المدير، يقول أحد الموظفين: «.. كل موظف يعرف أن إدارة الموارد البشرية وُضعت لتقوم بالأعمال القذرة وغير الإنسانية للتخلص من موظف ما؛ ولو بتلفيق التهم، والكذب، والتطفيش، والاستفزاز، والظلم والبهتان.. وكثير هم ضحايا الموارد البشرية الذين تمت تصفيتهم بناء على توصيات من مدير حقود أو رديء أو غيّار». هذا الدور في حد ذاته مُخجل مجرد التحدث عنه ناهيك أن يكون من مهمات هذه الإدارة. فالموارد البشرية لها الدور الأهم في أي منشأة؛ وإن كانت (الجندي المجهول).

«.. بدل التركيز على قضايا التأديب والتفنّن في ضبط الموظفين، على الموارد البشرية أن تركز على بناء ثقافة صحية أكثر جاذبية..».

السنوات العشر الأخيرة أثبتت أن أي منشأة لن تستطيع أن تخوض مضمار المنافسة -على المدى الطويل- في هذا السوق الشرس، مهما دفعت من الغالي والنفيس، إلا من خلال تفعيل إدارة الموارد البشرية. الأجمل، أن هذا الحل هو: الأرخص والأقصر والأفضل.

إعداد إدارة موارد بشرية واعية ذات قيمة عالية بأفضل وأعلى وأغلى الكفاءات.. وإعطاؤها الفرصة لتمارس عملها كما يجب.. هو المحرك الأساس لإستراتيجية أي منشأة.. وهو ما يفتح الآفاق الرحبة لها لتدخل بثقة إلى عالم المنافسة الحديث.

الشركة التي تتبنى مفهوم الموارد البشرية الحديث، ستملك مفتاح (ثقافة السعادة) للموظفين والعملاء.. وكل ذلك سيُترجم إلى نتائج مذهلة.. لن تخطر على بالها.

هذه الإدارة هي الاستثمار الحقيقي لأي منشأة.. وهي الربح البيّن.