-A +A
محمد الساعد
في فبراير 1979، سقطت الدولة «البهلوية»، وخرج من طهران آخر الأباطرة والملوك الفرس «رضا بهلوي»، لكن الفارسية نفسها بكل قيمها المتعالية وإرثها الإمبراطوري الاستعماري لم تغادر مطار طهران ولا شوارعها وبيوتها ومحاضن السياسة فيها.

ولا تزال تؤثر بعمق في المفهوم الإستراتيجي الإيراني، ومنها تنطلق كل السياسات والتصرفات، وإذا كان الإيرانيون استخدموا الصفوية والبهلوية وأخيراً المذهب الجعفري، فإن الهدف النهائي يبقى كما هو عودة الأسوار الفارسية إلى داخل العراق، واحتلال البحرين والسيطرة على الساحل الشرقي للخليج العربي.


مع دخول 2021 يكون كل من ولد غداة الثورة الإيرانية فبراير 1979، قد بلغ 42 عاما قضاها كلها في أحضان الأيديولوجيا الخمينية. جيل كامل نشأ وهو لا يرى غير الخميني وثقافته ومبادئه التي ورثها لكل من بعده.

اختطت طهران منذ وصول الطائرة الفرنسية التي أقلت الخميني أن تعطي الغرب ما يريد أن يسمعه، لا ما يتحقق فعلياً على الأرض، فكر ثوري قريب من اليسار، تخالطه مظاهر ديموقراطية غير حقيقية.

في الانتخابات الأخيرة التي جرت قبل أسبوعين يقول الخبير في الاستخبارات الأمريكية سابقاً والمتخصص في إيران «نورمان رول» في منشور له: هناك معلومات عن تعمد المواطنين الإيرانيين الإدلاء بأوراق اقتراع فارغة كدلالة على الاحتجاج.

إنها واحدة من أكثر قصص الخوف والرعب التي يعيشها الإيرانيون، فهم مجبرون على مغادرة بيوتهم للإدلاء بأصواتهم في انتخابات يعلمون أنها غير حقيقية، ولأنهم غير راضين فقد رمى أغلبهم أوراقاً بيضاء في داخل الصناديق.

ليس مفهوماً بدقة لماذا ذهب خامنئي في اختياره لمنصب رئيس الجمهورية الإيرانية باتجاه «إبراهيم رئيسي» المعروف بجزار طهران، الذي يوصف بأنه الابن المخلص لمؤسسة الحكم الإيرانية، لكن المؤكد أنها المرحلة الأخيرة من ترتيب البيت من الداخل قبل الحسم القادم لا محالة بوفاة مرتقبة لخامنئي، أو لنقل على وجه الدقة الاستعداد لصراع وراثة خامنئي، وبالأخص مع وجود العديد من الصقور في طهران ينتظرون الفرصة للقفز على السلطة المطلقة فيها.

اليوم توجد في إيران عمامتان رئيسيتان؛ عمامة خامنئي المرشد الأعلى، وعمامة جديدة يعتمرها إبراهيم رئيسي القادم من لجنة الموت، وبلا شك توجد في سماء طهران غمامتان، كلاهما تمطر دماء وخرابا، إحداهما على وشك النضوب (الخامنئية)، والأخرى تتهيأ لمزيد من الخراب والدمار في المنطقة، أو هكذا يراد لها.

رئيسي الذي استحق لقب «الجزار» يأتي من خلفية دموية لن ينساها الإيرانيون، عندما تولى مع مجموعة كلفها الخميني أواخر الثمانينات الميلادية، سميت بلجنة الموت، تصفية كل المعارضين في السجون الإيرانية الذين تراكموا على مدى سنوات.

كيف سيكون الإقليم في عصر جزار طهران، سؤال كبير بحجم الدمار الذي خلفته إيران خلال العقود الأربعة الماضية، وهو ما ينبئ الجميع بأن إيران ليست في وارد التخلي عن سياسات العنف والخشونة التي اعتمدتها طريقاً للوصول إلى قلوب وجيوب الغربيين، ومحاولة فرض هيمنتها ورؤيتها للمنطقة، ما يعني سنوات عجافاً ودماراً لن ينتهي إلا برحيل منظومة الحكم الإيرانية كاملة.

الصراع على السلطة ليس جديداً بين أبناء الثورة الإيرانية، لكنه بدا واضحاً في ما سمي بتسريبات ظريف التي اتهم فيها قاسم سليماني ومن ورائه الحرس الثوري بالاستيلاء على القرار السياسي في طهران وتسخيره لخدمة الإرهاب والأعمال العسكرية، تلك التسريبات وصفت بأنها الدخان المتصاعد من داخل القصر إيذاناً بفوز أحد المتنافسين بقلب الثورة.

بالطبع هناك منافس آخر لا يقل خطورة، هو أحمدي نجاد الذي منع من إعادة انتخابه من قبل مجلس مصلحة النظام، مما اضطره لشن هجوم قاس على منظومة السلطة.

ترتيبات بيت الحكم الإيراني من الداخل تشير -بلا شك- إلى أن الخامنئي يحتاج «الجزار» مرة أخرى ليس في خارج الحدود الإيرانية فقط، بل لترتيب الثورة وبيت الحكم الخميني من الداخل، حيث يعد المرشد أبناءه لخلافته أو على الأقل وضع من يكمل رؤيته المتصلبة.