-A +A
عبداللطيف الضويحي
الكابوس المرعب الذي يخشاه الاتحاد الأوروبي ويقضُّ مضجعه هو الشرق الأوسط الآمن والمستقر والمزدهر. ليس لأن الشرق الأوسط الآمن والمستقر والمزدهر سيكون منافساً للاتحاد الأوروبي وبريطانيا فحسب، لكن الأوروبيين بعقليتهم وثقافتهم الاستعمارية لا يرون ولا يتصورون الشرق الأوسط ودوله كجغرافيا أو كتاريخ، إنما هم يرون الشرق الأوسط مكباً لنفاياتهم الأخلاقية والثقافية والسياسية والناتجة عن ترف حياتهم السياسية والحقوقية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية الأوروبية التي لا تحتمل شعوبهم ومؤسساتهم «المتحضرة».

الأوروبيون يعتبرون الشرق الأوسط المتحارب فضاءً مثالياً ونموذجياً يكبُّون فيه نفاياتهم الأخلاقية والثقافية والسياسية التي يفرزها ترف الصراع بين يمينهم ويسارهم، ويكبون فيه فائض نفايات صراع كل دولةٍ عضو في اتحادهم وأخرى، وفي الوقت عينه يعتبرونه مجالاً حيوياً لتفريغ خلافاتهم الاقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية. والشرق الأوسط مجال حيوي يفتل من خلاله الأوروبيون عضلاتهم المترهلة والمتقادمة أمام الروس. ومن خلال الشرق الأوسط يناور الأوروبيون والأمريكيون أمام الصينيين.


لكي يبقى الأوروبيون متحضرين نظيفين في ما بينهم لا بد أن يبقى الشرق الأوسط همجياً قذراً. هذه الهمجية والقذارة هما المدخنة التي يخرج منها دخان المدفأة التي يلتف حولها الأوروبيون باتحادهم وثقافتهم وحضارتهم بدوله ومؤسساته، فلا يجوز ومن غير اللائق بالحضارات الأوروبية والتقدم الأوروبي والتاريخ والتفوق العرقي الاستعماري أن تتحارب دوله أو أن تسرق دوله بعضها بعضا أو يقاتل يمينه يساره بعد هذه الإنجازات المدنية والحضارية الأوروبية.

من هنا، فالصراعات في الشرق الأوسط يجب أن تبقى وأن تستمر من وجهة النظر الأوروبية، هذا لا يعني أن الأوروبيين هم السبب الوحيد للصراع في فلسطين أو الحروب في سوريا أو ليبيا أو غيرها من دول المنطقة، فهناك دائما ألف سبب في أي بلد لإشعال الحروب، مثلما أن هناك دائما ألف سبب لإقامة الوحدة بين الدول.

بصرف النظر عن الاختلافات الجانبية المفتعلة، يبقى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو لب الصراعات في المنطقة وفي العالم مهما تغيرت العناوين واختلفت المواقيت.

هناك كثير من الوضوح في الحملة العسكرية الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني وهي ليست جديدة، لكنها هذه المرة مختلفة من حيث التغيير الذي طرأ على الوعي الفلسطيني في الداخل ليشكل جبهة واحدة متناغمة، ناهيك عن التغيير الذي طرأ على الرأي العام العالمي خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، الداعم الرئيس لإسرائيل. هذا التغيير الذي يمكن تفسيره إما بفداحة العدوان الإسرائيلي والفصل العنصري الإسرائيلي الذي تكشف لأول مرة بهذا الوضوح، وقد يكون بسبب تأثير وسائل التواصل الاجتماعي التي استطاعت أن تتجاوز قوة حضور وقوة غياب الإمبراطوريات الإعلامية المعروفة بمناصرتها لإسرائيل.

تعلمنا نحن أبناء هذه المنطقة أن القراءة الحقيقية لأي حرب في منطقتنا لا يجب ولا يجوز قراءتها بذاتها بمعزل عما بعدها، ففي الشرق الأوسط تبدأ الحروب لتستمر حروب استنزاف، ولا تبدأ الحروب لكي تنهي الصراع. فعشرات الحروب في منطقتنا تنتظر الهدنة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ليستأنف الصراع في ليبيا أو في سوريا أو حتى بفتح بؤر صراع جديدة، طالما أن شهية القوى الإقليمية غير العربية مفتوحة للتوسع الجغرافي والتاريخي والاقتصادي والعسكري الإستراتيجي على حساب الدول العربية، وطالما أن الاتحاد الأوروبي وبريطانيا يؤمنون بأن الشرق الأوسط الآمن والمستقر والمزدهر لا يجتمع مع الاتحاد الأوروبي المستقر والمزدهر. فالقوى الإقليمية غير العربية تلتقي دائما مع الأوروبيين بكمية ما لديهم من عنصرية ضد كل ما هو عربي. فكلهم يلتقون تاريخيا وثقافيا على كراهية كل ما هو عربي، وعمى عيونهم أي قوة عربية وأي إنجاز عربي وأي مصلحة عربية.

فالاتحاد الأوروبي والقوى الإقليمية تنظر للإنسان العربي بنفس النظرة وبنفس الموقف الذي يتعامل به الإنسان الأبيض الأمريكي ضد الإنسان الأسود، إلى أن تنهض الشعوب والدول العربية وتنتصر للإنسان العربي وتؤمن فعلا بأن #حياة_العرب_مهمة.