-A +A
د. صدقة يحيى فاضل
من الأمور المضحكة – المبكية التي تلاحظ من حين لآخر على الساحتين الدولية والإقليمية، ادعاء الإرهابيين الحقيقيين أنهم محبون للسلام والوئام، وأنهم «ضحايا» للإرهاب، وأنهم يقاومونه، ولا يرتضون وجوده. ومن ذلك، زعم الإرهابي الصهيوني العتيد بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء الكيان الصهيوني، في مناسبات مختلفة، بأنه يحارب الإرهاب، وأنه يشجب هذه الظاهرة، ويعتبرها أسوأ الظواهر الاجتماعية. ومعروف أن هذا الإرهابي يتزعم أكثر دول العالم ممارسة لإرهاب الدولة. ومعروف، لمن يريد أن يعرف الحقيقة، أن «دولة» هذا الإبليس الصهيوني غالبا ما تكون -كعادتها، وبشكل غير مباشر- وراء وقوع كثير من الأحداث الإرهابية. وكذلك بعض العمليات الإرهابية، التي تهدف إلى إلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين، وتشويه سمعتهم وسمعة دينهم، ومحاولة تبرير ما يرتكب ضدهم، وضد بلادهم، من مؤامرات واعتداءات «إرهابية» بامتياز.

كيف يجرؤ هذا الصهيوني، وأمثاله من عتاة الصهاينة ومناصريهم على هذا الادعاء، في الوقت الذي يرتكبون فيه «جريمة العصر»، المتمثلة في اقتلاع شعب بأكمله من دياره، ونهب أرضه وممتلكاته، وتدمير حياته، وقتل كل من يقاوم من أبناء هذا الشعب هذا الغزو البربري، الذي حصل، ويحصل الآن، في القرنين العشرين والواحد والعشرين؟! إنه النفوذ الصهيوني المتحكم في أغلب مفاصل القرار السياسي في دول الغرب المتنفذ. أضف إلى ذلك «استعداد» ذلك الغرب (التلقائي، ونتيجة أحقاد وقناعات ومطامع معروفة) لاتخاذ أي إجراء يضر بالعرب، ويضعف موقفهم.


إذاً، الجواب على هذا التساؤل معروف للضحايا، ولكل المراقبين الشرفاء والمحايدين بالعالم. ولقد بدأ معظم العالم يدرك لماذا يتجاهل الغرب المتنفذ السلوك الإرهابي الصهيوني الصارخ، المعادي ليس للعرب فقط، بل لكل الإنسانية ولقيمها النبيلة؟! ويتطلع لمجيء يوم يحاسب فيه هذا الإجرام الصهيوني. وهذا لا يعني أن بعض العرب أبرياء دائما، وأنهم قوم يحرصون على خدمة مصالحهم العليا بحكمة وتعقل وإخلاص. فالجانب العربي (والإسلامي) كثيرا ما يتحمل جزءا من مسؤولية التشويه الذي يلحق به، وبدينه وحضارته وحقوقه. هذا الطرف فشل -ضمن ما فشل فيه- في توضيح قضاياه، وإقناع الآخرين بعدالتها.

****

وعلى أي حال، فإن هذا الحديث لابد أن يجرنا لمحاولة معرفة «تعريف» الإرهاب. حيث يجب أن يدفع هذا الادعاء المجتمع الدولي (إن كان الأخير جاداً في محاربة الإرهاب الحقيقي) لأن يسارع بوضع تعريف عالمي موحد متفق عليه دولياً، لظاهرة الإرهاب... وبحيث تسمى الأشياء بمسمياتها، وبحيث يشمل كل أنواع الإرهاب، وأياً كان مصدره.... حتى وإن كان حكومة تل أبيب. ثم يحاكم الناس على أساسه، ويوزن الفعل بميزانه.

فما زال العالم في انتظار وضع «تعريف» عالمي عام جامع ومانع وموضوعي لـ«الإرهاب»... ثم سن القوانين المناسبة لمعاقبة مرتكبيه، عبر آليات محكمة... يضمن الأخذ بها تحقيق العدالة والإنصاف لجميع البشر المعنيين... فعدم وضع تعريف محدد لـ«الإرهاب» يعيق معظم المحاولات الجادة لمحاربة الإرهاب الحقيقي. وكان من المؤمل أن تأخذ اللجنة القانونية التابعة للأمم المتحدة، والتي كلفت، منذ سنوات عدة، بصياغة معاهدة دولية جديدة لمكافحة الإرهاب، ذلك بعين الاعتبار، ولا تخضـع للتدخلات المغرضة... حتى تثمر أعمالها عن اتفاقية دولية نزيهة لمكافحة الإرهاب الحقيقي، بشتى الوسائل الممكنة... ومنهـا: دعم المقاومة ضد هذا الإرهاب، بكل أشكاله... ولكن، يبدو أن هذه اللجنة لن تتوصل لتعريف موحد وحاسم لـ«الإرهاب»، لإصرار البعض على ارتكاب مظالم وجرائم ضد هذا الطرف، أو ذاك، وعدم الخضوع لأي مساءلة.

إن هذا التعريف قد طال انتظاره، بسبب معارضة بعض القوى الدولية التي لا ترغب في الالتزام بتعريف واحد محدد... حتى تلبس كل حالة لبوسا خاصا... يخدم مصالحها، ويتماشى مع رغباتها وتوجهاتها العدوانية، وتلك طامة كبيرة، ومن ناحية أخرى، نرى أن «حقوق الإنسان» قد حددت... وتجسدت في الكثير من القوانين والاتفاقيات الدولية، عالميا وإقليميا وداخليا. ومع ذلك، تظل هذه الحقوق عرضة للانتهاك، وكأن هناك أناسا ليسوا ببشر، وليس لهم، بالتالي، حقوق.

****

إن «الإرهاب»، بمعناه الشامل، متعدد الجوانب. فهناك إرهاب سياسي وآخر اقتصادي وثقافي واجتماعي، وآخر أمني، أو مزيج من هذا وذاك. ويمكن تعريف «الإرهاب السياسي»، بأنه: محاولة فرد أو جماعة أو دولة ما تحقيق بعض الأهداف السياسية غير المشروعة، عبر استخدام العنف وتخويف (ترهيب) صانعي القرار والمعنيين، والضغط عليهم... وذلك بقتل أو جرح وإعاقة بعض الناس (ولو كانوا أبرياء، لا دخل لهم في القضية المراد خدمتها) أو خرق حقوقهم الإنسانية الأساسية وتدمير منشآتهم ... أو بوسائل غير مشروعة أخرى.

وبهذا، يصبح «الإرهاب الاقتصادي» (مثلاً) هو: محاولة فرد أو جماعة مـا تحقيق بعض الأهداف الاقتصادية غير المشروعة، عبر استخدام العنف وتخويف (ترهيب) صانعي القرار والمعنيين، والضغط عليهم... بمختلف الوسائل غير المشروعة. وهكذا أي أن «قتل وجرح بعض الناس وتدمير منشآتهم» ليس الوسيلة الوحيدة للإرهاب بأنواعه، فهناك وسائل ضاغطة أخرى، وإن كانت كلها تتمحور حول الإكراه... عبر: التخويف والإيذاء والعنف والتدمير. الإكراه غير المشروع، إذاً، هو «إرهاب»، سواء كان هدفه سياسياً أو اجتماعياً أو فكرياً... إلخ. وبذلك، يمكن تعريف الإرهاب بأنه: إقدام طرف على محاولة إجبار طرف آخر بعمل أمر غير مشروع، أو عدم عمل أمر مشروع، على أن تحدد الغالبية المعنية «المشروعية».

وخـطورة ما ينتج عن الإرهاب فادحة في كل الـمجالات، وبالتالي فإن مقاومة «الإرهاب» بأنواعه، هي أمر واجب ومقدر، وتبدأ بتعريفه منطقياً.