-A +A
هيلة المشوح
في خضم السياسة التركية غير المستقرة والمتحولة، ونزاعاتها الإقليمية شرقاً وغرباً والعزلة السياسية التي تواجهها تركيا شرقي المتوسط والاتحاد الأوروبي وأمريكا وفشل طموحاتها الإقليمية في المنطقة العربية، وفي خضم الحراك السياسي المتخبط للدبلوماسية التركية ودخولها نفقاً مظلماً في علاقاتها الدولية والوضع الداخلي المتأزم، فعلى الصعيد الاقتصادي باتت تركيا من أكثر الدول التي تعاني من الديون الخارجية بتراكمات بلغت قيمتها 171 مليار دولار، هذا فضلاً عن تهاوي سعر الليرة إلى نسب متدنية بلغت في هبوطها 15% مقابل الدولار حتى اللحظة، وفي خضم كل ذلك، تتغير البوصلة بتغير السلوك التركي طمعاً في تغيير المشهد السياسي وإنعاش العلاقات السياسية المستفزة والمتدهورة تجاه المشرق العربي بالدعوات المتكررة من الجانب التركي لفتح قنوات للحوار مع بعض الدولة العربية، ومن ضمنها مصر التي كانت إلى وقت قريب تشهد رحى معارك دبلوماسية وأمنية أوصدت تركيا خلالها جميع الأبواب في وجه الحلول الدبلوماسية مع مصر، وها هي اليوم تلوح بغصن الزيتون تجاه القاهرة في استمالة سياسية «مفاجئة» وتقارب غير متوقع طارحة كل الحلول السياسية على طاولة الحوار بما فيها ورقة الإخوان التي أشبعتها أنقرة توظيفاً واستهلاكاً لتفرض هذه المتغيرات السياسية نفسها على أوضاع أعضاء تنظيم الإخوان في الدول التي يتمركزون بها، واستعدادهم لمغادرتها والانطلاق إلى ملاذات أخرى!

بدأت فكرة العمل الخارجي لدى جماعة الإخوان بتأسيس التنظيم الدولي على يد سعيد رمضان -صهر مؤسس التنظيم حسن البنا- في خمسينات القرن الماضي، مروراً بهجرة قيادات ورموز بارزة مثل يوسف ندا وعصام العطار حتى الهجرة الثالثة التي تلت ثورة 30 يونيو في مصر وتولي إبراهيم منير مرشداً للتنظيم في الخارج ولأول مرة في تاريخ التنظيم، فأصبح التنظيم يدار من مكتب في لندن يتابع أنشطة الحزب على مستوى العالم والمسجل باسم (شركة الخدمات الإعلامية العالمية المحدودة) ويتحكم بأكثر من 40 مؤسسة إخوانية داخل بريطانيا منها منتدى الشباب المسلم في أوروبا والذي تتفرع منه 42 منظمة تنتشر في أكثر من 25 دولة، إضافةً إلى 13 مؤسسة خيرية ومالية في بريطانيا لوحدها لتمويل الحزب، هذا بالإضافة إلى منظومات إعلامية كقناة وطن والشرق ومكملين التي اتخذت تركيا مقراً لها فضلاً عن قنوات ومؤسسات إعلامية ومراكز أبحاث تمولها دول ذات أجندات سياسية تتخذ الإخوان أداة لتنفيذ أهدافها بما يشبه إمبراطوريات الظل التي تقدم الأمان لقيادات إخوانية إرهابية هاربة!


في كل مرة تشارف فيها جماعة الإخوان على الانتهاء تعاود مجدداً إلى هندسة بنائها وترتيب صفوفها والتموضع سواء داخل مصر أو خارجها، فقد تعرض الحزب في مصر مثلاً إلى حله ثلاث مرات، الأولى عام 1948 إبان الحكم الملكي، والثانية عام 1954 خلال حكم الرئيس جمال عبدالناصر والمرة الثالثة عام 2013 حين تم تصنيفه «جماعة إرهابية» في مصر وأدى إلى هجرة قيادات الحزب وإدارتها من الخارج لأول مرة في تاريخ التنظيم!

التنظيم الإخواني تنظيم شرس وخبيث ويجيد التلون والتموضع داخل المجتمعات المدنية بشتى الصور والأشكال بحكم عمرالتنظيم الذي تجاوز التسعين عاماً والذي يتحصن بفكر عنيف متطرف في جوهره، ومتسامح متناغم مع شعارات الحقوق والحريات في ظاهره فهو فكر سياسي حركي غير متمسك بعقيدة ثابتة ولا متشبث بمبادئ دينية لاينحاز عنها بل يتغير تبعاً للبيئة التي تحتضنه بمرونة فائقة لتحقيق أهدافه السياسية وحلم القيادة والخلافة التي هدمها الاتفاق المصري التركي قبل أيام ما أنذر بنثر أشتات الجماعة من جديد...!