-A +A
محمد الساعد
من الواضح جداً أن حرباً «وجودية» تشن على المملكة العربية السعودية «الوطن والشعب والقيادة»، هل نبالغ، بالقطع لا، هل نخاف، بالتأكيد لا، لكن علينا مواجهتهم والتصدي لخططهم؛ وهو أمر يتطلب الكثير من العمل والصبر والدهاء وأخيراً الالتفاف حول القيادة.

لا تستطيع أي أمة -مهما كانت إمكاناتها- أن تحارب أعداءها وخصومها المجتمعين حولها إذا كانت جبهتها الداخلية رخوة، أو مخترقة أو ضعيفة أو مهتزة، لكنها ستصمد أمام أعتى الأعداء بالتكاتف والوقوف صفاً واحداً.


سعوديو اليوم هم أبناء أولئك الرجال الذين كانوا يشقون الجزيرة العربية من شرقها لغربها ومن جنوبها لشمالها حفاة رابطين الحصى على بطونهم من شدة الجوع وقلة الزاد.

ليس جديداً على السعوديين خوض الحروب ولا التصدي للخيانات والمؤامرات، فقد واجهوها مبكراً منذ تأسيس هذه البلاد على يد الملك عبدالعزيز -رحمه الله-.

ففي عام 1926، بدأت أولى تلك المؤامرات بادعاء تعدي السعوديين على الحرمين الشريفين، كانت فرية أطلقها أعداء السعودية من بعض العرب والمسلمين وطافت العالم الإسلامي وكان المقصود تشويه إدارة السعوديين للحرمين وإسقاط حكمهم، لكن الملك عبدالعزيز -رحمه الله- استطاع إسقاط تلك المؤامرة حين دعا لأول مؤتمر إسلامي في مكة المكرمة ليرى زعماء وعلماء العالم الإسلامي الحرم أمامهم ويزوروا القبوة النبوية ليشهدوا أن أحداً لم يمسها فسقطت الادعاءات والمدعون.

ثم تصدى المؤسس لمعركة السبلة التي كانت في خفاياها حرب دول استخدمت أفراداً متحمسين ليُهزم الجمعُ وينتصر الملك ومن روائه شعبه وبلاده، وجاءت حرب الوديعة التي حاول فيه اليمن الجنوبي اختراق الحدود السعودية باتجاه الرياض، كأولى حرب موجهة من بلد ضد السعودية، حينها لم يكن اليمن الجنوبي هو من يحارب المملكة الناشئة بل الاتحاد السوفيتي ومعه مجاميع اليساريين والشيوعيين العرب.

أتت في خضم ذلك محاولات لانقلابات فاشلة قام بها خونة معزولون بلا غطاء ولا حاضن شعبي ومرفوضون من الشارع السعودي والتي كان وقودها ما يسمى بالتيار العروبي والبعثي في المنطقة، الذين لم يكتفوا بذلك، بل امتدت محاولات القوميين لتأليب الشارع السعودي الذي بقي صامداً أمام حروب إعلامية شرسة ممتدة من 1952 حتى 1968.

لم تنقضِ الحروب لكنها تنوعت بتنوع الأعداء، لتبدأ مرحلة التنظيمات الفلسطينية المتطرفة والتي عملت كمقاول من الباطن للسوريين والليبيين ولأنفسهم هم، فخطفوا الوزراء والسفراء السعوديين وقتلوهم في حوادث متفرقة متحالفين مع كل عدو، ليأتي مع بداية الثمانينات النظام الإيراني بكل أيديولوجيته الإرهابية ويأخذ زمام العداوة مع الرياض لليوم، دون أن ننسى أنه نفذ عملياته في داخل مكة المكرمة وبالقرب من الحرم الشريف.

بالطبع هناك أعداء يظهرون ويختفون حسب الحاجة وظروف المنطقة؛ منهم النظامان العراقي والسوري اللذان هادنا وعادا.

لتأتي موجة الإسلاميين المتطرفين الذين تم شحنهم للإضرار بالسعودية وتمثلت في عمليات القاعدة منذ عام 1995 ثم 2003 إلى 2006، لتكمل مسيرة الإرهاب بعد ذلك داعش من 2012، رافق ذلك احتجاجات الخريف العربي التي داهمت معظم البلاد العربية لكنها تحطمت عند جدران السعودية الصلبة.

لقد وجد الأعداء القابعون في الغرف المظلمة لليسار الغربي أن المقاولين من الباطن والدول الإقليمية فشلوا في تنفيذ المخطط المرسوم للقضاء على السعودية، وأصبح من المحتم أن يخوضوا الحرب بأنفسهم، وكان لابد من تحضير المشهد بخلق أحداث وحوادث تكون هي «قميص عثمان»، هذا القميص يتلون بتلون الأحداث فساعة يكون الحالة الإنسانية في اليمن وتارة فتاة طائشة متخابرة، وتارة أخرى قضية صحفية وأخيراً قضية السفارة السعودية في إسطنبول.

اكثر ما يقلق الغرب المعادي هو الالتفاف الشعبي وراء القيادة والإيمان بمشروعها والذي يشكل الدرع الحصين لوحدة الوطن وصلابته، لقد آمن السعوديون بمشروعهم السعودي، ووجدوه عادلاً تنموياً انتشل بلادهم المترامية الأطراف من مجاهل الفقر والعدم إلى مصاف دول العشرين.

لاشك أن الحروب شرسة والأعداء كامنون يشحذون خناجرهم، لكن يقابل تلك الحروب والخيانات تراكم هائل للخبرات وأدوات التعامل مع العواصف والمخاطر.

الغرب يرى في السعودية خطراً دائماً، حتى لو تعامل معنا في يوم من الأيام تعاملاً ناعماً، مجرد إدارات تذهب ويبقى الفكر المتأصل ضد المملكة متوارثاً عند الأحزاب ومراكز صناعة القرار الغربية وبخاصة اليسارية.

بلد بحجم كبير يتملك معظم مخزون الطاقة العالمي، ولديه وفرة موارد إضافية (غاز فوسفات يورانيوم ذهب، زراعة، تنوع بيئي شواطئ واسعة، موقع استراتيجي بين دول العالم، إطلالة على ثلاثة بحور ومحيط، مهد الإسلام ومهبط الوحي أقدس أقداس المسلمين).

والأدهى حسب نظرهم أنه بلد طموح لم يسمح للغرب أن يكبله. لديه إرادته ومواقفه السياسية المستقلة ولا يقبل أن يكون أداة أو تابعاً، وعنده رغبة في التحول من اقتصاد بيع النفط إلى اقتصاد متنوع سياحياً وتصنيعاً، بلد شغوف بالمعرفة ابتعث أكثر من 300 ألف طالب وطالبة للتعلم في الخارج، بلد لديه أفضل بنية تحتية تكنولوجية في العالم، وأي تغير نحو «العصر الصناعي التكنولوجي» ستكون المملكة من الأولى فيه.

كل ذلك يبقى في مهب الريح إذا لم يؤمن السعوديون بوطنهم وقيادتهم ورؤيتها ويلتفون حولها وحول مشروعها الوطني، لا مجال لوجهات النظر اليوم ولا مساحة للخيانة والتقلب.

كاتب سعودي

massaaed@