-A +A
محمد الساعد
خلال السنوات الماضية، وتحديداً منذ بدء ما يسمى الربيع العربي 2011، تعرضت السعودية على وجه الخصوص لحرب هائلة انخرط فيها خصوم وحلفاء وأشقاء وحتى من أبناء جلدتنا، أناس عرفناهم وعرفونا لكنهم انقضوا علينا خفية وعلانية!!

كانوا قد أجمعوا على أن البلاد هرمت وشاخت وجاء حين قطافها، بنوا خططهم واستعدوا لها مبكرا منذ حرب الخليج، مرورا بالأعمال الإرهابية في التسعينات، وليس انتهاء بأحداث الحادي عشر من سبتمبر وحرب القاعدة وداعش.


بلا شك، كانت وهماً قائماً في تلك المرحلة شديدة الظلام، كل منهم كانت له أجندته وحساباته التي يريد تصفيتها مع المملكة وقيادتها وشعبها، وأيضا حصته التي يريد اقتسامها من الكعكة الكبيرة – المملكة العربية السعودية.

في المقابل عالجت الرياض تلك الحرب «الكونية» بأشكال عديدة من الخيارات السياسية والدبلوماسية والأمنية، منها ما اعتبرته خطا أحمر لا يمكن التساهل معه وواجهته مباشرة كالتدخل بواسطة درع الجزيرة في البحرين -خاصرتها الشرقية- أو تشكيل تحالف عربي إسلامي لمواجهة انقلاب الحوثيين في اليمن على الشرعية وتحولهم لرأس حربة في المشروع الفارسي في العالم العربي، أو دعم خيار الشعب المصري بخلع الانقلابيين الإخوان عام 2013، كون مصر فضاءها العربي والسني، وملفات أخرى تعاملت معها بالسياسة والمداراة والتغافل كسوريا وليبيا ولبنان والعلاقة مع إدارة أوباما... إلخ.

فوجئ السعوديون بحجم الأعداء حتى الذين تخفوا لعقود تحت ثياب الأصدقاء والشركاء والحلفاء غرباً وشرقاً، وجدت آثارهم في الزوايا والمنعطفات الخطرة التي واجهتها، كانت أسلحتهم المهربة لأعدائها تقتل وتجرح أبناءها، أيضا كان للشأن الداخلي صراعه ومماحكاته التي وظفتها التنظيمات اليسارية والحقوقية للضغط وتشويه المملكة ومحاولة فرض أجنداتها على البلاد والعباد.

ولا أبالغ إذا قلت إن كل شبر في جسد المملكة السياسي والديني والاجتماعي والاقتصادي والأمني والعسكري، تلقى طعنة أو خيانة من أعدائها، صحيح أنها أثخنت الجسد لكنها دفعته ليكون أقوى مما سبق وأكثر جسارة في التصدي المباشر للأعداء.

تلك السياسة تنوعت بين قبضة حديدية وأخرى حريرية، وكانت المعادلة تقول أينما اقتضت الحاجة يتم استخدام الوسيلة المناسبة مهما كانت نتائجها.

في الوقت نفسه، فعّلت الرياض سياستها الناعمة واستمرت في بناء منظومتها الإعلامية وأعادت صياغتها لتكون قادرة على نقل وجهة النظر السعودية للعالم، الشركة السعودية للأبحاث -وهي شركة إعلامية خاصة- أطلقت قناة الشرق بلومبيرغ، والعربية أطلقت أيضا مجموعة من المنصات، ووزارة الثقافة بدأت مشروعا هائلا ينقل السعودية التاريخ والحضارة والفنون بكل دهشتها وثرائها للعالم، وقد نجحت أيما نجاح، وزارة السياحة هي الأخرى تلمست الميزات السعودية في البحر الأحمر وفعلتها، الرياضة التي استدعت رالي دكار ليخترق الصحراء والجبال والهضاب ويكتشف الآخرون مدى جمال السعودية وتنوعها، مشروع القدية ومشروع نيوم تحولا إلى منصتين عالميتين موجهتين للسياحة والترفيه والحياة الجديدة، مدينة «ذا لاين» التي أطلقها سمو ولي العهد هي الأخرى وضعت لبناتها لتكون مدينة لصناعة التكنولوجيا وومضة من المستقبل تستقر في وسط الصحراء العربية.

كلها قوة ناعمة لا تهدف لتزييف الحقائق عن السعوديين، كما يفعل الكثير، بل لتنقل وجهة نظرنا وتفكيرنا وحياتنا وطموحنا للمنطقة والعالم، لأننا اكتشفنا أن هناك كثيرا من القضايا لم تعد مناسبة وأن التخفف منها سيزيل من عقول الآخرين كل شائبة وهذا ما حصل، وأن هناك صورا نمطية -غير حقيقية- روجت والتصقت بنا عقودا طويلة وأن الحل الوحيد معها هو العمل والذهاب نحو المستقبل بحقيقتك لا كما يكذب عنك الآخرون.

كاتب سعودي

massaaed@