-A +A
محمد الساعد
في عام 1968، التقى الزعيمان العربيان الكبيران فيصل بن عبدالعزيز وجمال عبدالناصر خلال قمة الخرطوم الشهيرة، القمة التي أتت في أعقاب حرب النكسة وخسارة الجيش المصري لمعظم قدراته العسكرية أمام إسرائيل، لم يكن الوجع الذي أصاب مصر محدودا داخل أروقة السياسة والشارع المصري، كان ألماً عميقاً داخل وجدان الشعوب العربية كافة فكيف لها أن تتحمل هزيمة بهذا الحجم.

جاء الفيصل ومن ورائه كل السعودية إلى مؤتمر القمة المنعقد خصيصا لدعم «الشقيقة» الكبرى مصر، لم يقف الخلاف السعودي المصري في اليمن أمام «الفزعة» السعودية على الرغم من الجروح الغائرة والتدخل في الشأن الداخلي السعودي ومع الشهداء والغارات التي قام بها الطيران المصري ضد المدن السعودية، إلا أن كل ذلك أصبح وراء ظهر السعوديين ملتفتين للمستقبل العربي، فخسارة مصر -لا قدر الله- تعني بلا شك خسارة الفضاء العربي كاملا.


وقف الفيصل مخاطبا القمة بعدما طلب عبدالناصر مساعدة المملكة لمصر لإعادة بناء مجهودها العسكري، قائلاً: «مصر تؤمر يا فخامة الرئيس ولا تطلب». وكانت كلمة الختام.

وفي القمة العربية في الدوحة 2009، قاطع الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي أميرَ قطر داعياً إلى طي صفحة الماضي والخلافات بين السعودية وبلاده ليبيا، وقال «إن إيطاليا قدمت اعتذاراً عما قامت به في ليبيا وعلى بريطانيا وأمريكا أن تعتذرا عما قامتا به في حق العاهل السعودي الراحل الملك فيصل بن عبدالعزيز، وبصفتي ملك ملوك أفريقيا ورئيس الاتحاد الأفريقي، أعتذر للملك عبدالله عميد الملوك وأبدي استعدادي لزيارتكم في بلدكم، وباعتباري أتقلد هذه المناصب لن أنزل عن هذا المستوى»، وتابع «احتراماً للأمة أعتبر المشكل الشخصي الذي بيني وبينك قد انتهى وأنا مستعد لزيارتك واستقبالك» وهذا ما تم، عفا الملك عبدالله على الرغم من أن القذافي حاول اغتياله وانخرط في مشروع مضاد للمملكة.

وبالأمس كان صوت محمد بن سلمان مرحباً أعلى من هدير المحركات، إنها الشيم والضيافة العربية التي تتجلى في «أعلى» صورها، العناق الذي تلا الترحيب فتح الباب أمام تفاهمات أعمق على خلافات سابقة من المهم تجاوزها، وكما يقال لا مستحيل في السياسة ولا عداء دائم.

اليوم يعيد العالم تموضعه، فالصراع الأمريكي الصيني أضحى أكثر خشونة ولم يعد مجرد أوراق ضغط تحرر في أروقة وزارة الخزانة معلنة عن عقوبات اقتصادية، بل إن المحركات تتصادم مع بعضها محدثة ضجيجاً عالياً قد يشعل القابس ذات يوم، وهي نيران لن تكون انتقائية إذا اشتعلت اشتعل العالم أجمع.

أوروبا هي كذلك تستعد للعقود القادمة من دون البريطانيين ومن دون اقتصاد قوي ومن دون مورد للطاقة واضح ومستمر، فما زال الروس يتحكمون في الإمدادات رغم كل المحاولات الألمانية الفرنسية للانفكاك من هيمنتها.

الإقليم العربي الذي ما زال يعاني من الخريف الذي داهمه عام 2011، ما زالت آثاره الفادحة في سوريا وليببا واليمن ولا تكاد تتعافى مصر حتى يحاول التنظيم الإرهابي الإخواني إسقاطها مرة أخرى في الفوضى.

السعوديون الحليمون أدركوا ذلك، وكما واجهوا عواصف القوميين والبعثيين وفلول اليسار الشيوعي في الخمسينات والستينات وكما تصدوا لآلة الموت التي صنعها الخميني من نهاية السبعينات لليوم، وكما تعاملوا بذكاء ودهاء مع الضغوطات الغربية ومحاولات فرض القيم والهيمنة عليها، اليوم تستوعب الرياض التحديات القادمة وتعالجها بطريقتها البدوية التي لا يفهمها إلا ابن هذه الصحراء ولعل اختيار العلا رسالة تقول: إننا من هذه الصحاري القاحلة وإننا شفافون كالمرايا من يحبنا نحن كالعسل المصفى، صلابتنا كالجبال التي اقتطعها وسكنها أجدادنا.

كاتب سعودي

massaaed@