-A +A
محمد الساعد
حاولت الجماعة الإرهابية خلال سنوات ما بعد تجريمها قانونيا في السعودية العام 2014 التسلل مرة أخرى من النوافذ الخلفية والتسلق إلى المناطق المعتمة، كان الهدف تأخير نجوم الإخوان الحركيين من الصفوف الأولى للصفوف الخلفية تطبيقا لنظرية -لزوم المرحلة- وهم الذين تركز أغلب نشاطهم في الوعظ والتجارة والعمل السري.

الهدف الجديد بعدما تراجع «الحركيون الإخوان» للخلف كان القفز على الوظائف التكنوقراط التي بدأت تنتشر إثر التنمية الكبيرة في المملكة، وبلا شك الفوز بالأماكن المعتمة وفيرة المال والبعيدة عن الأعين، بهدف تأسيس مرحلة جديدة من محاولات للتسلل والانقضاض على المجتمع متى ما حانت الفرصة.


بلا شك الدولة السعودية ليست حكومة صدام حسين وليست نظام القذافي الباطش ولا بشار الأسد الديكتاتور لكي تقيم المشانق في الشوارع لكل مشتبه به، لكنها في الوقت نفسه تتوقع من كل مخدوع أو كادر التحق بالتنظيم الإرهابي التراجع عن أفكاره والتخلي عن مشاريعهم وأن يعي جيدا الرسالتين القويتين اللتين صدرتا باتجاه الإخوان، الأولى القرار الأمني في العام 2014م الذي جرمهم وحولهم لمنظمة إرهابية تحت طائلة القانون، والآخر الفتوى الشرعية التي صدرت أول من أمس من هيئة كبار العلماء، والتي أوصدت الباب الديني في وجه الجماعة بعدما تلبست بالدين طويلا، إثر انكشاف أعمالها وتصرفاتها وعلاقاته المشبوهة.

الفتوى الصادرة من أعلى مرجعية دينية في العالم الإسلامي اليوم مبنية بالتأكيد على دراسة شرعية معمقة قام بها كبار رجال الدين في المملكة وأعلى مراتب فقهائها وهم من عرفوا بالزهد والورع والتأني، وما قرارهم إلا تغليب لمصلحة الدين والأمة التي عانت طويلا من هذه الجماعات المارقة المتلبسة زورا بالدين، وتحولت إلى مكينة للغدر والخيانة في خاصرة العالم الإسلامي.

لكن من المهم جدا أن نفهم كيف صوبت جماعة الإخوان المسلمين من حيث لا تدري بنادقها وخناجرها إلى صدرها، بعدما كانت تتجهز لإطلاقها على خصومها وحتى على حلفائها.

كان الخطأ الأول أو لنقل كانت النتيجة المتوقعة لمنهج تكفيري تبناه الإخوان يهدف في نهاية الأمر إلى الاستيلاء على الحكم، بدءا من التلبس برداء الدعوة والتمسح بثياب الورع، ولذلك بادرت الجماعة إلى تقسيم المجتمعات الإسلامية، مؤمن ملتحق بجماعة الإخوان وكافر خارج عن التنظيم، هذا أدى إلى خروج منهج إخواني خاص بهم يسمى «التكفير والهجرة» يدعو إلى ترك المجتمعات الهجرة إلى داخل التنظيم، وتكفير الآخر حتى لوكان مسلما مصليا معلنا الشهادة، ما برر لهم استباحة ماله ودمه وعرضه.

ثاني أخطائهم الفادحة، كان العمل بشكل دؤوب وممنهج على خلخلة المجتمعات المسلمة وإفشالها وبناء الانقسامات داخلها وتعميق الجروح والتحريض ضد الحكومات القائمة، والتآمر ضدها مع الدول المعادية وقبول العمالة لها، والتحالف مع التيارات والأقليات لخلق الفوضى والاستفادة منها في القفز على الحكم (مصر مثالا).

لم يكن ذلك فقط بل إن الانحراف عن الدين والهيمنة عليه بدلا من الخضوع له ولتعاليمه وباعتباره المهيمن على حياة المسلمين وتسخيره لخدمة التنظيم واستباحة المحرمات وتحريم المباحات والرفع من مرتبتهم في التعامل مع تعاليمه، كان أخطر ما قامت به لأنه يهدم أساس الدين الإسلامي ويميعه، وما فعلوه من إباحة الشذوذ الجنسي وتسويقه من أجل الحصول على رضى اليسار الغربي دليل واضح على أفعالهم المشينة.

بالطبع كان للحركة انحرافها السياسي فقد أغفلت المصالح العليا للأمة واعتمدت على تكتيكات سياسية تحولت من كارثيتها إلى أخطاء استراتيجية، أولها التحالف مع «إيران الخميني» وتهنئته ومباركة حركته الثورية، ثم دعم صدام حسين في احتلاله للكويت فضلا عن مفاوضته للاستيلاء على الحكم في الكويت.

لم تتوقف أخطاء الجماعة الإرهابية بل وصل تفكيرها الشاذ وحقدها الدفين للاندفاع في خطط شيطانية بهدف إزالتها من الوجود، حتى ولو أسفر عن ذلك ملايين الضحايا، كان أخطر ما فعلته ضد السعودية عندما قام تنظيم القاعدة (الذراع العسكري للإخوان) بجريمة 11 سبتمبر ومحاولة إلصاق التهمة بالمملكة للوقيعة بين الرياض وواشنطن، ولدفع أمريكا للقيام بحرب عسكرية ضدها.

لم يتوقف إرهاب الجماعة عن ذلك بل استدعت تنظيمها الإرهابي للقيام بأعمال عسكرية في المدن السعودية بدءا من العام 2003 وحتى العام 2006، وهي عمليات أسفرت عن مقتل وجرح المئات من المدنيين والعسكريين السعوديين.

لقد أضحى تنظيم الإخوان الإرهابي -بعدما صدرت في حقه أول فتوى شرعية-، تنظيما حقيرا لا يستطيع أن يرفع رأسه وسينضم إلى إخوته من الجماعات المارقة في التاريخ الإسلامي «الخوارج والقرامطة والحشاشين» التي تلوثت بعار الخيانة والخروج عن الجماعة والانحراف عن الدين.

كاتب سعودي

massaaed@