-A +A
مي خالد
في تسعينات القرن الماضي كانت القناة الأولى السعودية أهم نافذة لنا على العالم، نفتحها صباح كل يوم على تلاوة عطرة من القرآن الكريم ثم النشيد الوطني السعودي قبل حصتنا اليومية من الرسوم المتحركة، كنت أحد أطفال السعودية الذين يتشكل في داخلهم همّ إنساني، يتشكل بتؤدة لكن دون هوادة، عبر برامج التلفزيون وكافة الأنشطة المجتمعية الشحيحة آنذاك.

كان همنا الإنساني يتمحور حول ضرورة القيام بمساعدة الشعوب الإسلامية المنكوبة. لا يهم من كان يغذي هذا الشعور ومن يستثمره وما هو المآل النهائي وما حجم الخيبات والهزائم. المهم أن هنالك أوقدت شمعة ومازالت جذوتها مشتعلة في النفوس ومازالت السعودية حكومة وشعباً مهمومة بمآسي الأمم والعالم.


أتذكر جيداً أني كنت أتسمر أمام شاشة التلفزيون أتابع حملات التبرع التي تقام في السعودية داخل استوديوهات القناة السعودية الأولى. يجلس رجلان أو ثلاثة خلف طاولة يجمعان عليها التبرعات المادية بمبالغ بعضها ضخم جداً وبأسماء مواطنين سعوديين. تجمع للشعوب المنكوبة حولنا ويخطبون خطباً عاطفية وإنسانية ترقق الشعور حتى أن هناك جزءاً كبيراً من التبرعات هي تبرعات عينية من ذهب ومضاغ للنساء ويعلنون أسماء المتبرعات السعوديات. أتذكر جيداً أن هناك امرأة ذهبت بنفسها لبرج التلفزيون وقدمت تبرعها داخل المبنى.

كان الشيوخ والمذيعون يدخلون في نوبات بكاء تأثراً بكرم المتبرعين السعوديين وقصص إيثارهم للشعوب الأخرى على أنفسهم.

بعد مرور ثلاثين عقداً على هذه المشاهد النبيلة، غزانا كورونا كما يفعل الغزاة من البشر. أغلق اقتصادات السوق وحاربنا حرب عصابات الشوارع فبات الخروج للشارع ضرباً من التهور وسبباً في إصابتك بالمرض وقتلك. وسقط عدد من القتلى السعوديين وغير السعوديين رحمهم الله.

لايبدو أن نهاية المعركة قريبة والرؤية العالمية للجائحة ضبابية ومتباينة. وكل شعوب الأرض هي اليوم شعوب منكوبة حتى شعوب الدول العظمى مثل أمريكا وبريطانيا، ونحن جزء من هذا العالم المنكوب. هنا تحديداً أعود لأول المقال حين وصفت مشاهد التبرعات السعودية وأتساءل: حين يكون الوطن هو المنادي هذه المرة فهل يمكن أن يبخل سعودي؟

شاهدت الكثير من ردود الأفعال لموظفين سعوديين سواء في الواقع أو عبر منصات التواصل الاجتماعي بعد إعلان إيقاف الألف ريال الخاصة بغلاء المعيشة، يعلنون أن هذا واجبهم تجاه (السعودية الغالية) وأظن أن موقفهم من إلغاء بدل الغلاء ينطبق على ضريبة القيمة المضافة أيضاً.

وأجزم أنه لو فتح المجال للتبرع بصندوق خاص لمواجهة أخطار كورونا لضرب الشعب السعودي الكريم أعظم الأمثلة في التنافس لما فيه خير بلدهم ومواطنيهم.

* كاتبة سعودية

may_khaled@hotmail.com

mayk_0_0@