-A +A
نجيب يماني
بمثل ما ضربت قيادتنا الرشيدة المثل الأجلى والنموذج الواضح وهي تستبق العالم بإجراءات احترازية ضد جائحة كورونا المستجد، ضرب شعبنا الوفي المثل في الالتزام والوعي، وهو ينفذ أمر منع التجوال في كل مناطق المملكة بنسبة قاربت الكمال، لولا بعض الهنات الصغيرة هنا وهناك، والتي جاء أمر التشديد عليها بفرض غرامة وصلت إلى عشرة آلاف ريال، ثم جاء تغليظ العقوبة من قبل النيابة العامة حال كل من يروّج بأي صورة من صور الترويج لمن يخرق أمر المنع، أو يحرض على خرقه وعدم التقيّد به، على اعتباره جريمة معلوماتية تستوجب العقوبة بالسجن لمدة خمس سنوات وغرامة مالية تصل إلى ثلاثة ملايين ريال.. كل هذا اتجاه إيجابي في سبيل كف العابثين والمستهترين، الذين لا يدركون حجم الخطر الذي يتهدد مجتمعنا، ضمن المنظومة العالمية، التي تكابد، وتذوق الأمرّين جراء انتشار هذا الوباء الخطير..

وبقدر ما نأخذ على هؤلاء القلة مسلكهم المنحرف عن جادة الالتزام المطلوب، فإننا في مقابل ذلك نشيد بكل عبارات الثناء والتقريظ، لكل الملتزمين بأمر المنع، وهم الكثرة ولله الحمد، وفي هذا بشارة على ارتفاع مستوى الوعي في مجتمعنا، فما التزامهم بتنفيذ هذا الأمر إلا لمعرفة وثيقة بأنه السبيل إلى الخروج من هذه الكربة، بحرمان الفايروس من فرص المخالطة، ليتمدد وينتشر ويفشو بين الناس..


ولهذه الكثرة الملتزمة بقرار منع التجول اتجه بكلماتي هذه، ليقيني أنهم يعيشون وضعا مختلفا هذه الأيام، ويكسرون روتينا أخذوا عليه في أيامهم السابقات، ويجدون صعوبة ومشقة في التكيّف مع محدودية الحركة، ورتابة الأيام، وبطء إيقاع الحياة، ولو أنهم أمعنوا النظر قليلا، لوجدوها فرصة يعزّ عليهم أن يجدوا لها مثيلا.

اليوم أمامهم فرصة ذهبية لينجزوا مشروعات كانت تحتاج إلى فراغ وفرصة من زمن، بعيدا عن ضغط العمل، والفروض الاجتماعية الكثيرة، وبخاصة لمن وهبهم الله موهبة الكتابة، فما أثمن ما اغتنموا اليوم من فرص، وما أرحب ما أتيح لهم ليكتبوا ما شاء لهم من خواطر، ويبدعوا ما شاءت لهم القرائح في كل مجالات الكتابة، ويخالطني شعور عميق بأن الساحة الأدبية والثقافية والفكرية ستشهد فيضا إنتاجيا في مرحلة «ما بعد كورونا»، نظير الفرصة السانحة التي أتيحت لهم بحظر التجوال، والحال نفسه أمام التشكيليين، وأصحاب المواهب، وكل مبدع في مجاله، ننتظر منه إنتاجا مشرقا يثري ساحتنا بعد خلاصنا -بإذن الله- من هذا الوباء الخفي..

ولمحبي القراءة.. الوقت أمامكم كافٍ لتبحروا في عالم الحروف المسطورة، وتنوعوا في المعارف، وتغذوا أرواحكم بأفكار وثقافات جديدة..

وللآباء الذين شغلتهم الحياة ودروب المعايش فيها عن أبنائهم وبناتهم، إنها فرصتكم.. غوصوا عميقا في داخل فلذات أكبادكم، جالسوهم بروح الصديق في هذه الفترة، وتلمسوا مواهبهم ومقدراتهم عن قرب ومعرفة وثيقة.. جسّروا المسافة بينكم بالنقاش والحديث، بعيدا عن ثرثرة الأجهزة المحمولة واعتصام كل فرد بعالمه الافتراضي الخاص، برغم جغرافية المكان الواحد بين أفراد الأسرة..

إنها فرصتنا جميعا، لنفتح أفئدتنا، ونفرغ محتواها وننظر إليها بتمعن، ونصلح ما خرب منها.. لنعيد ثقتنا الأكيدة مع كل واجباتنا على قدر من المحبة. لنشارك العالم التفكير بمحبة، والتفاعل بروح الإنسانية الفياضة بالود..

لتكن ثقتنا بقيادتنا الحكيمة كفاء حرصها علينا، وهي تمضي غير مدخرة أي جهد من أجل عيش كريم لنا، وإشاعة السلام والطمأنينة في ربوع وطننا.. ليكون عوننا من خلال التزامنا الصارم بكل ما يصدر عنها من قرارات.. وأن نحارب كل شائعة ونستقصي الأخبار من مصادرها الموثقة، ونفضح ونعري كل من يقوم ببث الشائعات والترويج لها..

إنها فرصتنا الأكيدة لإثبات أحقيتنا بالانتماء لهذا الوطن، وتعميق مفهوم ولائنا لقيادتنا على مسالك المحبة والالتزام ونردد.. إنها السعودية وحسب.

* كاتب سعودي

nyamanie@hotmail.com