تستمر جولتنا في جبل المشنقة وقلعة مكاور ويتابع السيد جورج اسكندر سرد تفاصيل المكان والذي عمل من خلال مكتب آثار مادبا على ترميمه نحو 8 سنوات، ويقول: قامت دائرة الآثار الأردنية العامة بالتعاون مع المعهد الفرنسيسكان للآثار بأعمال التنفيب في قمة “جبل المشنقة” قرب بلدة مكاور وكشفت الحفريات عن أجزاء من التحصينات التي شيدها “الادوميون” في هذه القلعة الكبيرة ولقد استعملها الملك “هيرود” الملقب بالكبير والذي ينحدر من أصل آدومي ولقد تمكن من فرض سيطرته على فلسطين والأردن زمن الرومان.

كما كشفت الحفريات عن بناء حمام روماني ووجود كمية من الأواني والأدوات والكسر الفخارية والنقود النحاسية حيث قامت دائرة الاثار العامة الأردنية بالتعاون مع المعهد الفرنسيسكاني بالتنقيب لموسمين الأول عام 1878م والثاني عام 1979م والموسم الأول كان عبارة عن إجراء استكشاف للموقع , أما الثاني فكان لإعادة القصر المشهور.

أما بالنسبة لقصر “هيرودس” فتقع الحمامات بالقسم الجنوبي من الموقع المحصن في الشمال إلى الجنوب وقد وجدت غرفة إضافة إلى الحمام البارد. والغرفة التي وجدت عبارة عن قاعة مربعة مساحتها (8,70× 8,90 م) تقريبا، والجدران الأصلية مبينة من الحجارة، أما القاعة فمرصوفة بالفسيفساء، ولكن جميعها قد دمر ولم يتبق إلا أجزاء مستطيلة من الإطار الخارجي ذات المربعات الفسيفسائية السوداء على خلفية بيضاء, ومن المتوقع أن الأرضية كانت في حالة سيئة قبل نشوب الحرب اليهودية الأولى إذ لم يتبق سوى مكعبات قليلة من الفسيسفاء المفككة بسبب حملة الدمار التي اتبعها تسليم القلعة في سنة 72 ميلادية.

أقدم لوحة فسيفسائية

أما التخطيط لموقع هيرود فقد كان منظما جدا، والشيء المحير أن تخطيط الجانب الجنوبي لجدار الحمام في القصر لم يكن مطابقا للواجهات الداخلية لبناء الحمام ومن المحتمل أن الجدران المفبركة قد أعيد استعمالها من قبل هيرود الكبير. وقد أقام اسكندر جانيوس قلعته على قمة هذا الجبل ثم أضفى هيرودس الكبير على هذا المكان تحصينا جبارا فوق ما وهبت له الطبيعة فأقام بها قصرا عظيما وآبارا واسعة.

والجدير بالذكر أنه عثر في قلعة مكاور على أقدم لوحة فسيفسائية مكتشفة في الأردن تعود إلى القرن الأول قبل الميلاد أي إلى تاريخ بناء القلعة في عهد الاسكندر جانيوس وهي تشبه ما اكتشف من فسيفساء في قصور وقلاع هيرودس في فلسطين.

ويوجد على رأس الجبل بئر كبيرة وعميقة، يمكن النزول إليها بسلم خشبي، ولكنه غير آمن أبدا، بالإضافة إلى آبار أخرى صنفت كزنازين، لأنها تختلف عن البئر الكبيرة، كونها غير مقصورة بالشيد بعكس البئر العميقة.

ويظهر على رأس الجبل، قوس حجري، كشف عنه حديثا قبل عدة أشهر عالم آثار إيطالي، وحدد الموقع بأنه بقايا كنيسة، ولكن أهم ما يبحث عنه الزائرون هو المكان الذي شهد مأساة يوحنا المعمدان، أو النبي يحيى عليه السلام.

مقتل النبي يحيى

«عكاظ» من جهتها وبعد أن جمعت ما قيل عن هذه القلعة أو الجبل من الناحية التاريخية آثرت أن تستشهد برأي عالم ديني يتحدث عن ما قيل من روايات أثبتت أو نفت ما قيل عنها حيث التقت بالشيخ وائل يعقوب، والذي قال إنه يوجد روايتان لعلماء الإسلام عن مقتل سيدنا يحيى عليه السلام والذي فند ما رويَ ذكره سابقا وعلى رأسهم العلامة ابن كثير وبقية علماء المسلمين وقالوا في روايتين وهما من أشهر الروايات عن مكان مقتل سيدنا يحيى عليه السلام وآثار مقتله.

بين القدس ومكاور

ومن أشهر الروايات التي ذكرت رواية ابن كثير التي ذكرها في كتابه (البداية والنهاية) وكتابه (قصص الأنبياء) وغيرها من الكتب أن بعض ملوك زمن سيدنا يحيى عليه السلام وكان يعيش بدمشق أراد أن يتزوج من امرأة أخيه التي لا تحل له كونها من محارمه فوصل الخبر لسيدنا يحيى النبي فنهاه عن ذلك وأسدى إليه النصيحة ولكن الملك لم يرتدع من النصيحة.. فلما جاء تلك المرأة المحرمة عليه أصلا في شريعتهم أرادت أن تنتقم من النبي يحيى عليه السلام لعدم موافقته على زواجها فطلبت رأس النبي يحيى مقتولا ومحمولا على طبق جزاء رفضه زواجها من الملك وبالتالي فقد وافق الملك على طلبها ووهب دم يحيى لها فبعث إليه من يقتله ويجيء برأسه على طبق إلى القصر.

فأرسل الملك إليه ببعض جنوده وعندما وصلوا إلى محرابه وجدوه يصلي فلم ينتظروه حتى ينهي صلاته فقاموا على الفور بقطع رأسه وحملوا رأسه على طبق من ذهب وذهبوا به إلى القصر، ويقال انه لم يتحرك في صلاته أبدا حتى خرجت روحه وقد اختلف في مكان مقتله هل هو في المسجد الأقصى أو في مكان غيره.

ويضيف الشيخ وائل: هناك أيضا عدة أقوال للثوري والأعمش وغيرهما ذكر فيها أن سيدنا يحيى بن زكريا قتل على الصخرة التي ببيت المقدس وقد قتل عليها أيضا سبعون رسولا. وقد فندوا أن يكون سيدنا يحيى قد قتل خارج الأقصى أو دمشق ويقول زيد بن واقد وهو أحد الذين عاصروا زمن النبي يحيى قال: رأيت رأس يحيى حيث أرادوا بناء مسجد جبرون في دمشق وقد أخرج من تحت ركن من أركان القبلة الذي يلي المحراب مما يلي الشرق فكان الشعر والبشرة على حاله لم يتغير وفي روايات (كأنما قتل الساعة).

وفي رواية أخرى أنه لما قطع رأسه لم يزل الدم يفور ويغلي حتى وقف عنده إرميا عليه السلام فقال مخاطبا الرأس أيها الدم أفنيت بني إسرائيل فأسكن بإذن الله فسكن الدم على الفور فرفع السيف وهرب من هرب من أهل دمشق إلى بيت المقدس.

وكان السبب الذي دعا إرميا عليه السلام لقول تلك الكلمات لأنه قتل على دمه سبعون ألفا من بني إسرائيل وهذا إسناد صحيح يسند إلى سعيد بن المسيب ويعني ذلك أن يحيى عليه السلام لم يُقتل خارج دمشق.