-A +A
ريم بنت عبدالخالق
خُلِقتُ أحمل روحاً حُرة.. بل هي بخفتها تحمل هذا الجسد..

لا حدود لأفكاري.. ولا حتى مشاعري..


رغم أني عشت عمري كله ألتزم بكل الحدود ولشدة حساسيتي وحتى لا أسمح لأحد أن يوبخني، فأنا لا أتجاوز ما لا يصح تجاوزه..

وإن رأيتني صامتة فأنا حينها أوجد أسباباً وأضع حلولاً وطرقاً لتسير بها الأمور التي حولي على غير العادة..

فرحي غامر كالأطفال.. وحزني مستفيض كالثكالى..

إن لِنْت فأنا الأحن.. وإن غضبتُ فأنا الأقسى..

الأكثر حكمة.. بلا غرور

والأشد جنوناً.. بلا حدود

وكثيراً ما أتسامح مع هفوات من حولي فقط لأني معتزة بذاتي للحد الذي يجعلني على يقين بأني عصية على الفهم وأكبر من حدود تقديرهم..

ومع ذلك فأنا الأكثر بساطة وتواضعاً مما يمكن لشخصٍ بسيط أن يدرك كم حاجزاً تخطيت لأشاركه ضحكة أو انفعالاً على قصة يرويها.. احتراماً لمشاعره وتقاسماً معه لضيقه أو غبطته.

أنظر وأرى.. أستمع وأصغي.. وآخذك بحديثي من أقصى حدود الجدية إلى الهزل الذي لا حدود له..

تبكيني كلمة في آية.. وتواسيني أخرى

ويحضنني شطر في قصيدة.. ويمزقني آخر..

وأحتفظ بيني وبين نفسي بفلسفتي الخاصة حيال كل ما حولي..

ومن المحتم أنك حين تغرس نبتة لا حدود لنموها في حوض محدود المساحة يعيق تمددها.. ستختنق وتذبل..

وقياساً على أبيات المتنبي فـ:

الحبرُ والصبر والوقفات تعرفني

واللين والمكر والضحكات والألم

وها أنا اليوم تتخطفني الطرقات وتتجاذبني زوايا الأرصفة وأرى أعمدة النور وهي محنية مطأطأة الرؤوس لتتفحص الدوائر السوداء حول عينيّ..

وحفيف أوراق الشجر وارتعاشات أفرعها تستنكر ثقل خطواتي وأنا أعبر بجسد كصندوقٍ خشبي خاوٍ تقلبه الريح في الشوارع.. يحمل ملامحي كزخارف عتيقة باقية من زمن الزهو والألوان.

يستمر في تخبطه حتى يتشبث بأطراف مقعد فارغ..

أستقر عليه لأبدأ بالثأر من تفاصيل المكان وأتفحص زواياه كما تفحصتني.. وبابتسامة ساخرة تقطر وجعاً أعايرها بعجزها أن تعيد لي مشاهد الفرح التي تقاسمتها معي يوماً..

فلا هي تقدر على ذلك.. ولا حتى أنا..

يحاصرني سكون غريب من حولي يكاد ينافس الصمت الذي احتلني منذ مدة..

ودفة أفكاري تقود مشاعري نحو اللا شيء..

لا فرحة تلمسني ولا حزناً يبكيني..

لا انتظار.. لا حماسة.. لا غضب أو حتى عتب..

أعيش حالة من الانفلات الروحي تشبه انفصال مكوك عن مركبة فضائية ليهيم في الكون الشاسع..

ويجتهد من حولي في تفسير هذه الحالة بأنها لا مبالاة، أو حالة من التصالح مع الواقع.. أو الرضا والتسليم..

ولكن الحقيقة تكمن في أني قد استنفدت رصيدي من كل شيء.. وعكسه!!

تم استهلاك الصبر والمجاملة والمقاومة والتظاهر والأمل.. وحتى اليأس..

وحين سألتني صديقة: ما بالك هائمة النظرة منطفئة العينين على غير عادتك؟ اضحكي..

كان جوابي: عزيزي المتعامل.. الرصيد الحالي لا يسمح لإتمام هذه العملية..

* تنهيدة:

أبْكِي وأضْحَكُ والحَالاتُ واحِـدَةٌ

أَطوِي عـَليْهـا فـؤادًا شفّـهُ الألَـمُ

فإنْ رأيتَ دمُوعِي وهي ضَاحِكَـةٌ

فالدمْـعُ مِـن زَحْمَـة الآلام يَبْتَسِـمُ

— طاهر زمخشري