-A +A
رامي الخليفة العلي
وقف المسلمون إلى جانب فرنسا منذ أن تعرضت لهجمات شارلي إيبدو الدموية واعتبرت الغالبية الساحقة نفسها تقف في نفس الخندق الذي يقف فيه المجتمع والدولة الفرنسية، تعاظم ذلك الانحياز في هجمات باريس في عام 2015 وشارك العالم العربي والإسلامي في المسيرة التي دعا إليها الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند. وعلى امتداد السنوات الماضية عانت الدول الإسلامية كما الدول الأوروبية من الإرهاب والتطرف، والضحايا من العالمين العربي والإسلامي أكبر بكثير من الضحايا في الدول الغربية وعلى رأسها فرنسا، فالمعركة واحدة والعدو واحد وهو التطرف سواء تمثل ذلك بالجماعات اليمينية المتطرفة والنازيين الجدد، أو الجماعات الإرهابية مثل القاعدة وداعش.

هناك مشكلة تعاني منها فرنسا كما بقية الدول الأوروبية وهي البيئات التي مثلت الحواضن للفكر الإرهابي والتي كانت تربة خصبة لعمل الجماعات المتطرفة والتي قدم منها أولئك الذين نفذوا عمليات إرهابية في الغرب أو ذهبوا للانضمام للجماعات الراديكالية في سوريا والعراق وغيرها من مواطن النزاع. وكان على فرنسا (الحكومة والمجتمع والدولة) أن تجد حلولا ناجعة تضمن حماية السلم الاجتماعي وتفكيك البناء الأيديولوجي للجماعات المتطرفة وبناء حائط صد أمام التطرف والإرهاب. ولكن ومع التفهم العربي والإسلامي للخطوات الفرنسية نقل الرئيس الفرنسي الحوار والجدل إلى مستوى آخر لا يخدم سوى التطرف والمتطرفين عندما راح يتحدث عن أزمة الإسلام، ثم راح ينتهج تعميما متطرفا في الحديث عن الإسلام والمسلمين، والرئيس الفرنسي غير مؤهل للحديث في قضايا أيديولوجية ترتفع كثيرا عن المسألة الأمنية التي يحاول معالجتها، فكانت النتيجة أن وضع الخطاب الفرنسي في مواجهة مع العالم الإسلامي برمته.


الخطاب الماكروني مثل هدية نزلت من السماء إلى المتطرفين فراح أردوغان يستغله باتجاه تأجيج أزمة بين العالمين الإسلامي والغربي، وراح يحاول التغطية على سياساته الخارجية والتي كانت مثار خلافات مع الجانب الفرنسي ليتقمص دور حامي الحمى بالنسبة للإسلام والمسلمين وهو الذي يرعى المرتزقة والجماعات المتطرفة التي عاثت في البلاد الإسلامية تخريبا وتقتيلا. وبينما كان العالم العربي ينتفض على سياسات أردوغان عبر مقاطعة بدأها مواطنون سعوديون وباتت تؤثر على الوضع السياسي والاقتصادي، راحت جماعات الإسلام السياسي والجماعات الراديكالية تدعو إلى مقاطعة للمنتجات الفرنسية شجعها على ذلك، عدم الحكمة والخطاب المتسرع من قبل الرئيس الفرنسي، مما جعل أردوغان وعصبته يتراقصون فرحا ويرون في أداء الرئيس ماكرون طوق النجاة الذي ألقي إليهم.

إذا كانت أزمة فرنسا والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع الجماعات المتطرفة والإرهابية التي تحاربها الدول الإسلامية قبل غيرها، فإن الإليزيه سوف يلقى الدعم والمساندة من الدول التي تعرضت للعنف والإرهاب وعلى رأسها الدول الإسلامية، أما إذا استمر الرئيس الفرنسي في صياغة خطاب متسرع وغير دقيق ويعمد إلى تعميم مخل فإن ذلك لن يخدم سوى التطرف والمتطرفين.

باحث سياسي

ramialkhalife@