-A +A
إعداد: محمد المشرعي mmashraee2@
الشعر عند العرب لم يكن قولاً عابراً، بل كان فضاءً واسعاً يعبّر فيه العربيّ عن أحاسيسه، فيرسمها في لوحة رسامٍ، كأن من يقرأها، يعيش تفاصيلها، تملؤها الحكمة الأخّاذة، يعتز به أهله ويفتخرون بكل ما فيه، ومن الشعراء أبو الفرج محمد بن أحمد العناني الغساني، شاعر عربي، ترجم له ابن عساكر في جملة الدمشقيين، وقال عنه الذهبي: «هو من حسنات الشام، ليس للشاميين في وقته مثله».

لقّب بـ«الوأواء» لأنه كان ينادي في دار البطيخ بدمشق على الفواكه.


ذكر القفطي نقلاً عن ابن عبدالرحيم في «طبقات الشعراء»: «أن الوأواء كان في أول أمره أحد العامة، وكان جابياً يتولى بيع الفاكهة، ولم يكن من أهل الأدب، ولا ممن يعرف يقول الشعر».

حلو الألفاظ، في معانيه رقة، امتدح سيف الدولة الحمداني، ذكر الصفدي أنه شرح ديوان المتنبي، ومات بحلب سنة 551هـ.

اشتهر بقصيدته الميمية التي يمدح بها الشريف العقيقي والتي يقول فيها:

تَظَلَّمَ الوَرْدُ مِنْ خَدَّيهِ إِذْ ظَلَما

وَعَلَّمَ السُّقْمُ مِنْ أَجْفَانِهِ السَّقَما

وَلَمْ أرِدْ بِلِحاظِي ماءَ ناظِرِهِ

إِلا سَقى ناظِرِي مِنْ رِيِّهِ بِظَما

أَسْكَنْتُ مِنْ بَعْدِهِ صَبْري ثَرى جَلَدِي

فَماتَ فِيهِ وَلَمْ أَعْلَمْ بِما عَلِما

مَا سَوَّدَ الحُزْنُ مُبْيَضَّ السُّرُورِ بِهِ

إِلا وَدَيَّمَ دَمْعي فَوْقَهُ دِيمَا

أَمَا وَأَحْمَر دَمْعي فَوْقَ أَبْيَضِهِ

وَمَا بَنى الشَّوْقُ مِنْ صَبْري وَما هَدَما

لا رُعْتُ بِالبَيْنِ مِنْهُ مَا يُرَوِّعُنِي

وَلا حَكَمْتُ عَلَيْهِ بِالَّذي حَكَما

يَا رُبَّ يَوْمٍ حَجَرْنا في مَحاجِرِنا

مَاءَ العُيُونِ وَأَمْطَرْنا الخُدودَ دَمَا

في مَوْقِفٍ يَسْتَعِيذُ البَيْنُ مِنْهُ بِهِ

فَما يُقَبِّلُ قِرْطَاسٌ بِهِ قَلَما

كَتَبْتُهُ بِيَدِ الشَّكْوى إِلَيْكَ وَقَدْ

أَقْسَمْتُ فِيهِ عَلَى ما قُلْتُهُ قَسَما

هَذانِ طَرْفانِ لا واللَهِ ما عَزَمَا

إِلا عَلَى سَقَمِي أَوْ لا فَلِمْ سَقِما

تَمَلْمَلَتْ سُحْبُهُ مِنْ طُولِ مَا سَحَبَتْ

وَهَمْهَمَ الرَّعْدُ مِنْها فِيهِ حِينَ هَمَى

بَكى عَلَيْهِ النَّدى لَيلاً فَعَبَّسَ لِي

مَا كَانَ لِي فِي نَهارٍ مِنْهُ مُبْتَسِما

لا زَالَ مُنْقَطِعاً ما كانَ مُتَّصِلاً

مِنْهُ وَمُنْتَثِراً مَا كانَ مُنْتَظِما

لا أَجَّلَ اللَهُ آجالَ الدُّمُوعِ إِذا

مَا لَمْ يَكنَّ لأَبْنَاءِ الهَوى خَدَمَا

يا هذِهِ هَذِهِ رُوحي مَتَى أَلِمَتْ

مِنَ المَلامِ بِكُمْ قَطَّعْتُها أَلَمَا

كَمْ قَدْ تَدَيَّرَ قَلْبي مِنْ دِيارِكُمُ

دَاراً فَما سَئِمَتْ مِنْهُ وَلا سَئِمَا

ثَنَيْتُهُ وَعِنَانُ الشَّوْقِ يَجْمَحُ بِي

إِلَى الَّذي رَاحَتَاهُ تُنْبِتُ النِّعَمَا

إِلى الَّذي افْتَخَرَتْ أَرْضُ العَقِيقِ بِهِ

وَمَنْ بِهِ أَصْبَحت بَطْحاؤُها حَرَمَا

إِلى فَتَىً تَضْحَكُ الدُّنْيا بِغُرَّتِهِ

فَما تَرى باكِياً فيها إِذا ابْتَسَما

لَوْ أَنَّ لِلْبُخْلِ أَغْصاناً وَقابَلَها

بِوَجْهِهِ أَنْبَتَتْ مِنْ وَقْتِها كَرَمَا

أَزْرَى عَلى الغَيْثِ غَيْثٌ مِنْ أَنَامِلِهِ

فِي رَوْضَةِ الشُّكْرِ لمَا بَخَّلَ الدِّيمَا

مَا إِنْ دَجَا لَيْلُ نَقْعٍ في نهارِ وَغىً

إِلا وَأَمْطَرَهُ مِنْ سَيْبِهِ نِقَما

هَذا الَّذي لا يُرى في جِيدِ مَكْرُمَةٍ

عِقدٌ مِنَ المَجْدِ إِلا بِاسْمِهِ نُظِما

قُلْ لِلَّتي وَدَّعَتْ بِالْجِزْعِ مِنْ جَزَعٍ

مَا إِنْ ظَلَمْتِ بَلِ البَيْنُ الَّذي ظَلَمَا

لا وَالهَوى وَحَياةِ الشَّوقِ مَا تَرَكَتْ

لِيَ النَّوى مِنْ فُؤَادي غَيْرَ مَا ثَلِمَا

وَمَنْ هُوَ الشَّمْسُ فِي أُفْقٍ بِلا فَلَكٍ

وَمَنْ هُوَ البَدْرُ في أَرْضٍ بِغَيْرِ سَمَا

هذِي يَمِينُكَ في الآجالِ صائِلَةٌ

فَاقْتُلْ بِسَيْفِ رَدَاها الخَوْفَ وَالعَدَمَا