من الناس يحصر التدين في جانب العبادات فقط..، والمشكلة تكمن هنا في مفهومهم للعبادة..، أو يحصره في الشكل فقط.. (والذي قد يصل إلى البذاذة المنهية..)، أو في الحماس والغيرة فقط.. فيرى أنه مطالب ومسؤول رئيس عن إصلاح الكون بأسره..، أو يحصر التدين في التحريم والمنع وهذا الذي يولد) التشدد والتكفير)..، أو في حصر التدين بأناس دون آخرين..، فيظن أن المتدين من أخذ بمظاهر الدين فقط. وبطبيعة الحال نتج عن هذه المفاهيم المغلوطة: أفعال مغلوطة من هؤلاء المتدينين بحسب فهمهم القاصر للدين. وأظن أنه بطبيعة الحال أيضاً ستظهر ردود أفعال وتصورات عن المتدينين لدى البعض من الناس، بأنهم: رجعيون، معقدون، لا يفهمون الواقع، حتى ربما لا يبتسمون ولا يضحكون..وهنا يجب التنبه لأمرين مهمين؛ الأول: التعميم المقيت والظالم.. وهذا خطر جداً فقد يولد رد فعل شنيع خاصة عند بعض الشباب المتدينين..وهذا لا يمنع النقد البناء ومعالجة الأخطاء، لكن بعض الكتّاب نصّب نفسه راصداً للتدين وحركات المتدينين لا همَّ له سوى تتبع سقطاتهم وملاحقتهم، يحاصرهم، ويضخم الأخطاء ولو أن الأمر بيده ربما منع عنهم حتى الهواء الذي يتنفسون..فيشرق بأي مظهر من مظاهر التدين، ولا أدري هل هؤلاء يجهلون أو أنهم لا يحبون أن يعلموا أن التدين في الناس فطرة وأنه الأصل..وهذا يقودني للحديث عن الأمر الثاني والذي يجب أن ننتبه له وهو: النظرة المسبقة (البارادايم) والتصور الخاطئ عن المتدينين، كما أنها موجودة أيضاً عند البعض من المتدينين عن مخالفيهم ..وهنا تبرز أهمية اللقاءات والحوارات المباشرة..والمعرفة عن قرب..، والواقع أن كلاً يرى مفهوم التدين من زاويته، ولهذا ظهرت أنماط كثيرة للتدين: التدين السياسي، التدين العقلاني، التدين الموسمي، التدين المعرفي، التدين النفعي (للمصلحة)، التدين العاطفي (قائم فقط على الحب دون علم بل بجهل وحماس)، التدين الْمَرَضِي (الوسواس والخوف المذموم)، التدين التكفيري (المتشدد= غيرة حادة+شبهات+انحراف+غلو وتطرف) وهو أشد أنواع التدين جذباً خاصة للشباب حديثي التدين، وذلك يبدو لأنه (حركي ناري سهل أي: لا يُكلف شيئاً)، التدين الخرافي (الشعوذة والتمتمات وتقديس الأشخاص والأحجار..»، وهذا التدين يجد الترحيب لدى الغرب، فقد أوصت لجنة الحريات الدينية التابعة للكونغرس الأمريكي بضرورة تشجيع «حركات الإسلام التقليدي والصوفي»، وأوصت بأن تقوم الدول العربية بتشجيع الحركات الصوفية. فالزهد في الدنيا والانصراف عنها وعن عالم السياسة يُضعف ولا شك صلابة مقاومة المسلم للاستعمار الغربي..»وربما هذا يوضح ظاهرة عودة مظاهر التدين الخرافي بتراتيل وحركات تمايل وغناء؟!. ولعلي في النهاية أقول: التديّن الصحيح هو: التدين الإيجابي - سواء للمجتمع أو للأفراد – الذي كان عليه حبيبنا صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم، فالتدين ليس مجموعةَ قيودٍ وأغلال تقضي على حريّة الإنسان كما يصوّره من لا يفقَه حقيقةَ الإسلام، إنّما هو سموٌّ بالنّفس، وطهارةٌ للقلب، ومكارِم أخلاق، وبناء وعطاء، وحكمة ورحمة، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107]، فالتديُّن الحقيقي: يجعل للحياةِ معنًى ساميًا وهدفًا عاليًا وراحة وطمأنينة ونعيمًا لا يدانيه نعيمٌ إلاّ نعيم الجنّة. لكن بصراحة: لقد شُوِّهت حقيقةُ التديُّن بأفكار وتصورات وأفعال متشددة ومتشنجة، وبكتابات وممارساتِ خاطئة خاصة من تُجّار الدّين الذين جعلوا الدينَ شعارًا للابتزاز والتكسُّب، وهذا أصابَ التدينَ في الصّميم وصرفَ عن الدّين الحقّ، وهذه مصيبة كبرى لأن أيَّ حضارةٍ مِن الحضارات لن تجدَ هويّتها بين الأمم إذا كانت بلا معتقدٍ دينيّ مستقيم. ثم أُذكّر قبل الختام ببشرية المتدين، سواء أمام نفسه، أو بعين الآخرين؛ فالمتديّن ليس معصومًا، فهو كغيرِه من البَشر، قد يزلّ، وقد يغفل، إلا أنه يتميز بأنه إذا تذكَّر تابَ وآب وأناب، قال تعالى: (إِنَّ ?للَّهَ يُحِبُّ ?لتَّوابِينَ وَيُحِبُّ ?لْمُتَطَهّرِينَ) [البقرة: 222] وقال تعالى: (إِنَّ ?لَّذِينَ ?تَّقَوْاْ إِذَا مَسَّهُمْ طَـائِفٌ مّنَ ?لشَّيْطَـ?انِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) [الأعراف:201]. اللهم ثبتنا على الدين القويم . آمين.
لمحة : « في إدمان النظر في السيرة نقاء وصفاء للسريرة».
* أكاديمي وداعية سعودي
مفاهيم مغلوطة عن التدين
16 يناير 2008 - 20:13
|
آخر تحديث 16 يناير 2008 - 20:13
تابع قناة عكاظ على الواتساب
د. ابراهيم الدويش *